النص الكامل لكتاب : دراسة فى شعر إيمان يوسف



دراسة فى شعر
إيمان يوسف
..............................
للشاعر الناقد العروضى
محجوب موسى
...............................
مقدمة :
شاعرة العامية إيمان أحمد يوسف أحسنت بى الظن كناقد ... فقدمت لى (تسعة) دواوين من شعرها العامى لأقدم عنها دراسة نقدية ... فوقعت فى حيص بيص كما يقولون فكيف أفرغ لتسعة دواوين تضم أكثر من ربعمائة قصيدة ... أين الوقت ؟ أين الجهد ؟ أين الصبر ؟ ولما كنت لأقدم على دراسة إلا بتناول موضوعها تناولاً (تلقائياً)
 شمولياً بحيث لاتفلت من (براثن) قلمى شاردة ولا واردة فإن حيرتى (حيص بيص) فمعنى هذا أن قصيدة واحدة أو اثنتين لاغير ستستغرق كتاباً قد يقع فى ألف صفحة بلا مبالغة فعندى دراسة (تفتيتية) عن قصيدة للشاعر فاروق شوشة (الدائرة المحكمة) سودت ستمائة صفحة (مع كبح جماح القلم ) ... فماذا أصنع ؟ فأنا ناقد يمقت أشد المقت التناول (الإنشائى) من قبيل ... الشاعر يطوف بنا فى أودية من الخلابة ، ويأخذنا إلى عوالم تموج بالسحر والجمال ، ويحلق بنا فى آفاق الحب والـ .....
وكثير هو النقد الذى يصير (نصاً على النص) وقد يتفوق (النص النقدى) على النص الإبداعى فنحصل على (نصين) ولانحصل على نقد .....
بالله عليكم ماذا تصنعون لو كنتم فى مكانى ؟
و .... شغلت بكتابة كتب مطولة ... وطال الوقت والدواوين (التسعة) ترمقنى معاتبة ... وأنا لاأحب أن (أكسف) أحداً لاسيما إن كان (ديوناً) ، .... فأخذت أفكر حتى هدانى تفكيرى إلى حل مريح :
* دراسة أكثر من ربعمائة قصيدة بطريقتى التفتيتية أو حتى (بطريقتهم الإنشائية) ... المستحيل بعينه فليس عندى عمر نوح ولاصبر أيوب عليهما وعلى رسولنا السلام ، وليس عند شاعرتنا مال قارون لطبع مجلدات لا يعلم عدها إلا علام الغيوب سبحانه .
* لابد من إعمال نظريتى ـ غير مسبوقة ـ (الوصل والفصل التفعيلى) ومفادها :
عند (تقطيع الشعر) نلاحظ أن تفعيلة تأخذ ما يساوى أحرفها ومواضع (حرسكونيتها) من الكلام المراد تقطيعه فإذا استوفت مايساويها وبفيت أحرف فهذه الأحرف الباقية (ترحل) إلى التفعيلة التى تليها فمثلاً :
فى أيام الحب :
فى أيــ ـ فعلن ـ /o /o
ياملــــ ـ فعلن ـ /o /o
حببلـــ ـ فعلن ـ /o /o
أولى  ـ فعلن ـ /o /o
* فهذه الكلمات مقسمة على أربع تفعيلات كل تفعسلة أستوفت :
1 ـ أحرفاً تساوى عند أحرفها (أربعة أحرف)
2 ـ مواضع (الحرسكونيات) فى كل من الكلام والتفعيلة (لابد أن تكون هى هى) فمثلاً :
ف ى أ ى  – حركة (/) سكون (o) حركة (/) سكون (o)
ى ا م ل    – حركة (/) سكون (o) حركة (/) سكون (o)
ح ب ب ل – حركة (/) سكون (o) حركة (/) سكون (o)
أ و ل ى    – حركة (/) سكون (o) حركة (/) سكون (o)
1  2  3  4
ف ع  ل  ن
/ o  /  o
وبغير هذه المساواة (أحرفاً وحرسكونيات) لايتم (الوزن) وقد سميت هذه الطريقة (الوصل التفعيلى)
لاتصال كلمة بأخرى عند (التقطيع) أو (الوزن) ونلاحظ عند (التقطيع) أيضاً أن كلمة تجىء على قد التفعيلة تماماً (عدد أحرف وحرسكونيات) مثل :
قلبى  ـ فعلن ـ / o/o
يحيا  ـ فعلن ـ / o/o
حببن ـ فعلن ـ / o/o
فذ ذا  ـ فعلن ـ / o/o (قلبى يحيا حباً فذاً)
وقد أسميت هذه الطريقة (الفصل التفعيلى) لانفصال الكلمة عما يسبقها وعما يلحقها من حيث الوزن واستقلالها بتفعيلة على قدرها .
ولكن ماذا فى هذا ؟ فهذا مايحدث فى كل (تقطيع) فما الجديد ؟
الجديد وغير المسبوق منذ الخليل العظيم وإلى أن من سبحانه على بهذه الطريقة الفريدة هو : سبق العروض العربى (للسينما) لاتدهشوا ففلا السينما يسلط المخرج (كاميراه) على مشهد مهم يريد أن يثبته فى أذهان المشاهدين أو يعطيه (كادراً) خاصاً فمثلاً قاتل يهوى بخنجره على صدر ضحيته فالكاميرا تسلط على قبضته المنضمة على الخنجر (زووم) فإذا بها تملأ شاشة العرض ، هذا بتمامه ما يصنعه الشاعر حين يجىء بتفعيلة على قدر كلمة (الفصل التفعيلى) وقد قمت بتتبع هذا (الفصل) فى الشعر القديم والحديث (عاميته وفصيحه) حتى الشعر (النبطى) فوجدت أن (الكلمة المفصولة) لابد لابد لابد أن تكون (مهنة) لذلك خصها الشاعر (بكادر تفعيلى خاص) شأن المخرج السينمائى تماماً .
بدهى ... وبلا جدل ... الشاعر لا يقصد هذا بل كثير من الشعراء لايعرفون ماهو (التقطيع) بل ماهو العروض ... فهل كان امرؤ القيس يخص حبيبه (بكادر تفعيلى) فى معلقته الشهيرة حين قال :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

قفا نب        ـ فعولن              (وصل تفعيلى) 
ك من ذكرى ـ مفاعيلن
حبيبين ـ فعولن ـ (فصل تفعيلى)
ومنزلى ـ مفاعل ـ (فصل تفعيلى)
فالحبيب له (كادره) وكذلك منزله
ومن أهم من الحبيب وما أهم من منزله عند حبيبه ؟
أمرؤ القيس لم يقصد هذا بل لا يعلم هذا ولكن الناقد الذى حباه الملهم عز وجل ما ليس عند غيره يصل إلى هذا ولنعد إلى (حلّنا) الذى أخرجنا من هذه الحيرة هو :
* إنتقاء (قصيدة) من كل ديوان كأنك تختار أجمل زهرة من كل بستان .
* دراسة بعض الصور المنتقاة من الدواوين .
* الإشارة إلى بعض الملامح (الأنثوية)
وبذلك :
تكون بتقديمنا قصيدة من كل ديوان أو زهرة من كل بستان قد صنعنا ما يصنعه (الكيميائى) فى معمله فهو (لايحلل) الكمية كلها ، بل يكتفى بتحليل شىء قليل منها ففى هذا القليل خصائص الكمية كلها تماماً كتحليل الدم تكفى قطرات منه فما عهدنا من (يستنزف) دم إنسان بقصد تحليله .
ونكون بدراسة بعض الصور قد أوقفنا القارىء على التصوير عند الشاعرة ، ونكون بالإشارة إلى بعض الملامح (الأنثوية) قد استنشقنا الروح الأنثوى فى شعر الشاعرة
و ...... آه ... آه .... آه
حسبكم يامن تتلمظون وتريدون أن تتشدقوا بهذا الكلام الــ ....
حسبكم فسوف أتكلم بما فى نفوسكم وسأرد عليه
* ستقولون :
* انتقاء قصيدة من كل ديوان لايعد دراسة إلا لما انتقيت وحده .
* (سلخك) الصور من نصوصها لايجوز فالنص جسد متكامل إما يدرس كله وإما يترك كله
* أهناك شعر (حريمى) وآخر (رجالى) ؟
مرحى مرحى
وهاكم الرد :
من قال إنى أقدم دراسة عن (دواوين) شاعرتنا الـ(تسعه) ؟ ومن فى طوقه هذا عمراً وجهداً وصبراً ؟
قطعاً ستكون دراستى لما انتقيت وحده ولكن هذه الدراسة ستضع يد المتلقى على طريقة الشاعرة فى معالجة موضوعاتها و ... خصائص شعرها
أما دراستى الشاملة فقد انتهيت منها منذ أيام وكانت عن ديوان (بوح البوادى) للشاعر عبد العزيز سعود البابطين وسوف يقوم الشاعر بنشرها وهى دراسة للديوان كله وهاكم كلمة عن (عنوان) قصيدة هذا العنوان هو :
منازلكم بعينى
منازلكم (أنتم) بعينى (أنا) . (بــ) عينى لا (فى) عينى ...لماذا ؟
لأن حرف الجر (فى) سيفصل بين المنازل والعين فجاءت (الباء) متصلة بالعين فلم يحدث هذا الفصل ، ولأن فى (الباء) روح الرعاية كما قال عز من قائل عن سفينة نوح عليه السلام تجرى بــــــ أعيننا
و ..... حسبى حتى (لا أحرق) هذه الدراسة ...
فقولكم هذا يعنى أن الشاعر (العمودى) ... (يرص) أبياته رصاً (عشوائياً) لا ... فالشعر العمودى له وحدته الموضوعية والعضوية سواء ، وكم من القصائد (الحديثة) ماهو مفكك ومهوش وكم منه مايقبل هذا (السلخ) الذى تعنون .
وسنأتى بنماذج من هذا وذاك ، وللعلم نحن لانرجح عمودياً على حديث ولاحديثاً على عمودى ، فنحن نكتب اللونين ونحب النوعين ولانفصل منهما إلا الجيد ولايعنينا (النوع) بل على الرغم من تدلهنا بتراثنا العظيم فلا تعنى من قيمة شعر (فصيح) على حساب شعر (عامى) فليست (اللعة) الفصحى شافعة لشعر ردىء وليست العامية مسقطة قدر شعر جيد وهاكم بعض النماذج المسلوخة : 
ألا تستطعين أن تطفئى قمراً واحداً كى أنام ؟
أنام قليلاً على ركبتيك ، فيصحو الكلام
ليمدح موجاً من القمح وينبت بين عروق الرخام
من قصيدة (ألا تستطعين أن تطفئى قمراً ؟) لمحمود درويش .
بالله عليكم أليست هذه الصورة قائمة بذاتها ؟
بل أكثر من هذا فسوف أقدم مقطعاً على مقطع من نفس القصيدة هكذا :
ألا تستطعين أن تطفئى قمراً واحداً كى أرى
عزور الغزال الأشورى يطعن صياده قمراً
أفتش عنك فلا أهتدى ... أين سومور فىّ ... وأين الشآم ؟
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
تطيرين منى غزالاً يخاف ويرقص حولى ... يخاف ويرقص حولى
ولاأستطيع اللحاق بقلب يعض يديك ويصرخ ظلى
لأعرف من أى ريح يهب على سحاب الحمام
تذكرت أنى نسيتك ... فلترقصى فى أعالى الكلام
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لاشك فى شاعرية محمود درويش ولافى تمكنه وهذه قصيدته كاملة (سلخنا) مطلعها فكان صورة تامة عاملة وحدها ... تماماً كما (نسلخ) أبيات الحكاية من شعر المتنبى العظيم فتعمل مفردة وحين ترد إلى (سياقها) تعمل فيه مع أخواتها والشعر (العمودى) و(الحديث) فى هذا سواء .
ولقد جعلنا المقطع الثالث موضع الثنى فهل لاحظتم (خللاً وتفككاً)؟
أنا لا أقول (باطراد) هذا الأمر فى كل قصيدة فهذا من سفه القول فمن القصائد مايبنى بناء (عضوياً متلاحماً ..) وأعنى (التقديم والتأخير) دون (سلخ) الصور فالتقديم والتأخير لايناسب كل الشعر
وهو لايعيب الشعر الذى قدمنا وأخرنا فيه ، فليس الشعر يقوم على طريقة لايعدوها فله طرائق لا تعد ولا تحصى وقد قدم أستاذنا العقاد وأخر فى شعر شوقى فجأة من قدم وأخر فى شعر العقاد وهذا ليس موضوعنا الآن فموضوعنا هو هل يصح (سلخ) صورة من (سياقها) وجوابنا نعم وأجل و(أيوه) .
وموقفنا ـ هنا ـ ثابت لايتزعزع فالصورة عاملة مفردة مستقلة وهى (منسلخة) من (سياقها) فإذا ردت إليه قامت بدورها فيه ولننظر إلى أبى طيبنا شاعر عربيتنا العملاق :
كلما أنبت الزمان قناةً     ركب المرء فى القناة سنانا
معنى مستقل تمام الاستقلال يدين الإنسان ويبرىء الزمان .
فهيا لنراه عاملاً فى سياقه :
صحب الناس قبلنا ذا الزمانا
وعناهم من أمره ما عنانا
وتولوا بغصة كلهم منه
وإن سر بعضهم أحيانا
ربما تحسن الصنيع لياليه
ولكن تكثر اإحسانا
وكأنا لم يرض فينا بريب
الدهر حتى أعانه من أعانا
(كلما أنبت الزمان قناةً
ركب المرء فى القناة سنانا)
ما رأيكم ؟
ولكن ليس معنى كلامى المصر أن (نسلخ) مثلاً :
شد لؤلؤة من دمى
حين قام بسارية الحلم
فهذا لايجوز لماذا ؟ .... فلنكمل أولاً :
شد لؤلؤة من دمى
حين قام بسارية الحلم
روحاً تحط التواريخ فيه
النداء / القدر
كيف لم ... كيف لم ينتظر ؟؟
(شعر أحمد عبد الحفيظ شحاته)
قلنا لايجوز لأنا بترنا (الحال) من صاحبها
حين قام بسارية الحلم (روحاً)
فهذه صورة ممتدة ومكتملة فإن (سلخت) فينبغى (سلخها) كلها
وخلاصة الكلام :
* تعمل الصورة مفردة وخلال السياق لأننا حين (نسلخها) كما تقولون نعاملها
على أنها وحدة مستقلة لاشأن لها (بالسياق) لأننا لن نذكره أبداً عند السلخ فمثلاً :
"خفف الوطأ ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد" هذه حكمة بالغة وفلسفة (كونية) قائمة بذاتها ولاشأن لها وهى (مسلوخة) بسياقها أبداً ، فإذا ردت إليه لم نعاملها مفردة بل عضواً فى جسد
وللعلم نحن نردد هذا البيت وحده دون القصيدة لا لأن القصيدة (عمودية) مفككة كما تزعمون ولكن لأن هذا البيت ذو معنى قائم بذاته
وللشاعر (الحداثى) حميدة عبد الله :
هاهو الفجر الذى يصعد فى الدنيا
وهذى قطط
لم تنم فى موسم الرغبة ...
فانهالت مواء
أليست هذه صورة مكتفية بنفسها ؟
ولنسأل سؤالاً :
ما قولكم إذا قدمنا إليكم هذا المقطع على أنه (ومضة) شعرية ؟
ألن تعايشوه كشعر مستقل غير (مسلوخ) من (سياقه) ؟
وللعلم ... (الومضة الشعرية) اصطلاح وضعناه للشعر (المضغوط) جداً سواء جاء قائماً بنفسه أو (مسلوخاً) ، فالقائم بنفسه قولى :
أنا نيلُ
وأيدكم .... غرابيلُ
و(المسلوخ) قولى (برضه) :
أروض قبل حصانى .... طموحى
وأكبح فيه جنون الجموح
أصبره .... قدر ذاتى
لكى تستقيم حياتى
فهذه (سلخه) من قصيدة ... ولكن المعنى هنا قد تم وأفاد كالجملة المفيدة التى يحسن السكوت عليها .... ولنكمل :
لماذا نعد الثياب على قدر أبداننا
ونفتح أبواب أذهاننا
لوجه الطموح الذى قد ترهل
وأصبح ثوباً كأنى فيه
صغير يخب بثوب أبيه
يلف على قدمى ... فى أستطيع الركوب
ولا أترجل
فياليتنا إذ نروض أفراسنا نتذكر
حصاناً إذا لم يروض تفجر
وياويلنا لو تفجر
فماذا يضير القصيدة لو بدأت بـــ
لماذا نعد الثياب على قدر أبداننا ؟
لاضير
وماذا يحدث لو اكتفينا (بالسلخة) ؟
لن يحدث شىء
وبذلك يكون لدينا (قصيدتان) ولكن إذا رددنا السلخة إلى (سياقها) لعضدته ودعمته وزادته .
و ........ كفى
أما (الأنوثة) بدون إطالة ... فلا نعنى بها أن لدينا شعراً (حريمياً) وآخر (رجالياً) وكأننا فى محل (أحذية) أو ملابس (حريمى / رجالى) ولكن نعنى أن للأنثى مفردات وتركيبات لابد أن تتسلل إلى شعرها فمثلاً :
تقول الشاعرة وفاء جابر :
أنا باحتاج لأحضانك وأنا بينهم
أنا باحتاج لأيامى اللى عشناها
يساومونى
وياخدوا من عيونى عين
وتبقى لى
فالشاعرة لم تقل أنا (باشتاق) لأحضانك ولكن (باحتاج) وكررتها فالأنثى دائماً فى (حاجة) إلى رجلها
صحيح هو كذلك فى حاجة إليها
ولكن حاجتها إليه أشد فهو رجلها وحاميها وراعيها والمنفق عليها وله القوامة التى تجعله مسئولاً عنها مسئولية كاملة وله ، وله والخلاصة ... أن الأنوثة لابد من تسللها إلى شعر (الأنثى) لوجود الفرق بينهما وبين الذكر مصداقاً لقوله تعالى :
وليس الذكر كالأنثى
فلماذا نذكر الأمور الفارقة بينهما إلا (حتة) الشعر ؟
والآن
هيا بنا إلى دراستنا التى لم نفجر كل طاقاتنا النقدية فيها ... فلم نعمل (التفتيتية) خشية تضخيم الكتاب مما يرهق بل يمتص (ميزانية) الشاعرة ولكن الدراسة على الرغم من ذلك .......

(مش بطالة)

فهيا إليها

محجوب موسى

ياريتك
من ديوان (وشوشة البحر)
مانعنى حيائى وطوق كبريائى
أقولك واحشنى
واحشنى سؤالك عليه
ونظرة عيونك إليه
تظل فـ عنيه
تقول لى حنانك
وتوصف جمالك
واحشنى سؤالك
ولكن حياتى وطوق كبريائى
مانعنى انى أبدأ
واخاطب لسانك بحالى وحالك
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فلننظر إلى الفصل التفعيلى أولاً :
منعنى      = فعولن = مالذى منعنى ؟
حيائى      = فعولن = حياء المرأة أهم مايرفع قدرها
أقلك        = فعولن = توجيه القول للحبيب لايعد له شىء
وحشنى    = فعولن = الوحشة سر الشوق واللهفة
سؤالك     = فعولن = منتهى ما أروم فهو دليل اهتمامك بى
علييه      = فعولن = علىّ أنا لاعلى سواى
ونظرة     = فعولن = قمة مايتشوف إليه محب من حبيبه
عيونك     = فعولن = عيونك أنت سلمت لى ولا حُرمتها أبدا
إلييه        = فعولن = إلىّ وحدى فأنا مناط اتجاهها
تطلل ف  = فعولن = فى ماذا ؟
عنييه      = فعولن = عيناى موطن الإطلال
تقللى       = فعولن = تخصنى وحدى بالقول
حنانك      = فعولن = مناى ، مطمحى ، كل رغباتى حنانك أنت
وتوصف   = فعولن = لاوصف عندى إلا وصف ....
جمالك      = فعولن = فهو وحده هدف وصفى
وحشنى    = فعولن = مزيد من الحنين
سؤالك      = فعولن = دليل حبك واهتمامك وجعلى فى بؤرة شعورك
ولاكن      = فعولن = استدراك ينطوى على رغبة حييّة
حيائى      = فعولن = مانع سرعان مايتهاوى
وخاطب    = فعولن = ما أحلى مخاطبة الحبيب
لسانك       = فعولن = لاسمعك فلسانك منبع النجوى والغزل
بحالى       = فعولن = وما أعانيه تجاهك من حب وشوق وظمأ
وحالك       = فعولن = وهو توأم حالى
أما الوصل التفعيلى ففى :
وطقكبــ = فعولن = الطوق يحيط بالعنق وهو متصل بعنقى
ريائى   = فعولن = يحول بينى وبين الإفصاح عما يعتمل فى نفسى
وطقكي  = فعولن = والوصل التفعيلى يصور عملية الإحاطة
ريائى   = فعولن = أجود تصوير
منعننـــ = فعولن = المنع المنوط بطوق الكبرياء لابد أن يكون
نأبدأ    = فعولن = قيداً يصل الممنوعة بعدم البدء بالمصارحة
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
نجد أن الفصل قد جاء أربعاً وعشرين مرة ، ولم يجىء الوصل إلا ست مرات أى أن الفصل ضعف الوصل أربعة أضعاف وهذا بدهى فالشاعرة تسلط الكاميرا التفعيلية على أهم مايعنيها فى هذا الموضوع كما رأينا ، وهذا كثير ، أما الوصل فلا يعدو حالة واحدة هى (المنع) من الإفضاء بما يخالج المحبة من مشاعر الشوق واللهفة وهتافها : (واحشنى)
و(طوق كبريائى) ككل طوق فهو حلقة (متصلة)
هكذا :
لذلك قد جاء (الوصل التفعيلى) مصوراً هذه الحالة بصدق ، وطوق الكبرياء تعبير جديد وفعال ويدفع المتلقى إلى تحسس عنقه ويجعله يحس بالاختناق وأنا أتخيل هذا الطوق حول عنق المحبة وهو موصول بسلسلة طويلة ... وأراها تحاول الوصول إلى حبيبها لتهتف :
واحشنى ... ولكن بُعد المسافة بينها وبينه أطول من طول االسلسلة المتصلة بطوق كبريائها مما يحول بينها وبين الوصول ، ومما يجعل الطوق يحز فى عنقها ويضغط حنجرتها حابساً هذا الهتاف .
ومخاطبة (اللسان) ... (وأخاطب لسانك) تعبير جديد أيضاً فالمعروف هو أن تخاطب (الأذن) ولكن الشاعرة معنية بمصدر النجوى والهمس والمحاورة والمسامرة فهى وإن خاطبت الأذن فالمستهدف للرد والمجاوبة هو اللسان وتحت هذا التعبير (اللسانى) أومأ ـ لايقف عليها الكثير ـ إلى فاعلية اللسان فى التقبيل ودغدغة مواطن الإثارة ... وقد لا ترمى الشاعرة إلى هذا ولكنى أراه فى عدولها عن (الأذن) إلى (اللسان) ... واللسان عو (اللغة) قال تعالى :
ـ (وماأرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) 4 : إبراهيم
فالشاعرة تتوق إلى (لغة) حبيبها وكلامه وحواره ونجواه ، والحق يقال : (لولا التحاور بين العشاق لما تعمق العشق ولما توشجت الأواصر والعلائق) لذلك وفقت شاعرتنا فى هذا التعبير (اللسانى)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ولنواصل :
ياريتك تقرب وتلقى البداية
ولو حتى كلمة فى سطر الحكاية
عاتبنى ، حايلنى ،خاصمنى ،صارحنى
قاسمنى ، صالحنى عليا
ساعدنى انى أحيا
وعيش جوا منى
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
الفصل التفعيلى :
يريتك  = فعولن = رجاء ، تمن ، أمل ، أمنية ، و و و
تقررب = فعولن = هل (بعد) القرب شىء نخصه (بكادر) تفععيلى
عتبنى  = فعولن = ماألذ عتاب الحبيب
حيلنى  = فعولن = ماأحب المحايله
خصمنى  = فعولن = خصامك أشهى من مصالحة غيرك
صرحنى  = فعولن = لا أحب من المصارحة
قسمنى  = فعولن = المقاسمة المشتركة
صلحنى  = فعولن = الصلح خير
علييا  = فعولن = لا أصالح نفسى إلا على يديك أنت
الوصل التفعيلى :
وتلقلـــ = فعولن = لقيان البداية هى الخطوة الأولى
بداية = فعولن = (للمواصلة)
ولوحتــ = فعولن = الكلمة فى سطر من سطور الحكاية
تكلمه  = فعولن = لبنة فى بنائها والبناء لبنات
فسطرلــ = فعولن = متصلة .....
حكاية  = فعولن = ...............
سعدننـــ = فعولن = المساعدة فعل (متصل) يوجب
نأحيا  = فعولن = الوصل التفعيلى
وعش جو  = فعولن = العيش داخل الحبيب
ومننى = فعولن = تمازج وتواشج فالوصل التفعيلى ـ هنا ـ لازم
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
(صالحنى عليا) لقد تغلغل الحبيب فى المحبوبة وتغورها وتعمقها بحيث أصبح واقفاً على أمورها وأسرارها أكثر من وقوفها هى ، وهو يدرك كيف يعمل على الصلح بينها وبين نفسها إذا ماتخاصمتا لإدراكه الأمور التى تؤدى إلى هذا الصلح .
(وعيش جوا منى) ولو أن هذا التعبير مألوف ومتكرر إلا أنه ـ هنا ـ يعاضد (صالحنى عليا)
(ولو حتى كلمة فى سطر الحكاية) منتهى التشوف والتحرق والتوق إلى شىء أى شىء ولو مجرد كلمة لاغير فى سطر من سطور حكايتنا ...
(خاصمنى) حقاً فالعذاب من (العذوبة) فكل مايأتى من الحبيب حبيب وإن يكن خصاماً وفى (ساعدنى) احتياج (أنثوى) فالمرأة فى حاجة ماسة إلى مساعدة رجلها فى كل شىء ولاحياة لها بدونه .... حتى حياتها من معطيات مساعدته إياها .
فاهمنى ، واحشنى
واوعى الليالى تفرق مابينا
وطول المسافة تكون جوا منا
ياملهم مشاعرى
حياتى وشعرى
تنادى مشاعرك
ياريتك تقرب
واحشنى ..... واحشنى
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ



فهمنى   = فعولن          (فصل تفعيلى) يســـلط الضوء على الشـوق ومكانـة                                                                                                          
وحشنى = فعولن          الحبيب فهو ملهم المحبوبة الشــاعرة ومشـاعرها بل
يملهم    = فعولن          وحياتها تناديه وتنادى مشـــاعره وهى ترجوه قربـاً
مشعرى = فعولن          وتحذره من الليالى المفرقــة بين العشــاق ونجـد فى
حياتى   = فعولن          (واوعى الليالى تفرق مابينا) ....... (وصـلاً تفعيلياً)
وشعرى = فعولن          يصور هـذا التحذير وهو تحذير (متصل) معبرعــن
تنادى   = فعولن           الخوف من الفرقة ونجد هذا (الاتصال) فى (وطـول
مشعرك = فعولن          المسافة تكون جوا منا) مصوراً لطول المسافة الممتد
يريتك   = فعولن          (جوانياً) وبذلك تكون الشاعرة (لاشـعورياً) قد وفقت
تقررب = فعولن           تماماً فى توظيف (الوصل والفصل التفعيلى)
وحشنى = فعولن

وحشنى = فعولن

لحن الحنين
من ديوان (لحن الحنين)
قصيدة لحن الحنين بكاملها تشى بأنوثة من حيث روحها والكثير من مفرداتها ، كذلك الاعتماد على (فعولن) مرتين فى كل سطر شعرى إلا أربعة أسطر جاءت من ثلاث من عدد الأسطر البالغة اثنين وأربعين سطراً .
فـــ
فعولن فعولن
فعولن فعولن
فعولن فعولن
وهكذا توحى (بتكسر اللغة والخضوع بالقول) الذى يهتز الجسد ويتثنى على إيقاعه .
ملامحك ... سماحتك
لحوحه ف عيونى
وضوحك صراحتك
قانونك ... قانونى
ولونك ف لونى
فكثرة أحرف (الحلق) الحاء ، العين حيث هيمنة (البحة) وانسراب اللون (فى) اللون والإلحاح الذى تستشعره الأنثى كل هذا يدل على (خصوصية أنثوية) تشيع فى هذا النص :
عيونك بتنده عيونى
تعشش ف قلبى
فالنداء يعقبه اتخاذ القلب عشاً و ....
دمعك ف دمعى
على غرار
ولونك ف لونى
يدل على التمازج فانسراب اللون ف اللون يعنى انسراب الحبيبين شكلاً ومضموناً فاللون بالمعنى المادى يكسو الجسد كله وبالمعنى المعنوى يعنى الطبع والسجية والمشرب فنخن ممتزجان بدناً وعقلاً وطبعاً والدمع فى الدمع يشى بشدة القرب لدرجة تصير الدمعتين دمعاً .
وهذا يذكرنى بماقلته عن قصيدة (أيظن) لنزار قبانى فى كتابى (فن كتابة الأغنية) فقد رأيت فى :
حتى فساتينى التى أهملتها    فرحت به رقصت على قدميه
عناقاً حاراً عبر عنه بمنتهى (الأدب) على غير عادة نزتر فما ترقص الفساتين على قدمى الحبيب إلا وهو يعانق محبوبته عناقاً أو تعانقه هى عناقاً (ملتحماً) يجعل من قدميه (مسرحاً) لرقص فساتينها ، كذلك فالدمع فى الدمع يربط حزنهما معاً برباط من التوحد ، وفرحهما ـ عند دموع الفرح ـ كذلك ولايلتقت لهذه الدقائق إلا الأنثى .
طفولة عواطفك
ف حاجة لأمومتى
فقرّب شكاوى
بعادك لبعدى
وقرب إدينا
وإفرد ف بسمة
وشوشنا علينا
الطفولة والأمومة ، وتكرار (التمازج للمرة الثالثة)
1 ـ ولونك ف لونى
2 ـ ودمعك ف دمعى
3 ـ فقرب شكاوى
بعادك لبعدى
معادلات للتمازج التام يعضده
وقرب إدينا
وإفرد ف بسمة
وشوشنا علينا
ففى تقريب الأيدى ملامسة واستبقاء اليد فى اليد وفى (فرد) البسمة معنى (التغطية) ... كل هذا (أنثوى) لامحالة .... ولمن يقول : هذه المفردات فى مكنة (الذكر) أقول :
نعم ولكن أين تكسر صوته وليونته عبر :
فعولن فعولن
فعولن فعولن
ضع بدلاً من (فعولن) كلمة على قدرها ولتكن (حبيبى) وكررها هكذا :
حبيبى حبيبى
حبيبى حبيبى
أو (دندن)
د د ن د ن         د د ن د ن
د د ن د ن         د د ن د ن

ولُك (لُيانة) أو تخيل شدقيك يلوكانها مع (طرقعة) لتدرك وأنت تتخنث ـ كيف يكون كلام المرأة بغض النظر عن المفردات الأنثوية الخاصة .
واستمع إلى تهدج صوتها وسؤعته ولاحظ الشهيق والزفير فى :
أحبك
بكل المعانى الجديدة القديمة البعيدة القريبة الصريحة الفصيحة
أحبك
برغم انشغالك وخوفك طموحك . ظروفك عيوبك
قد تعمدت رصف هذه الأسطر العشرة فى سطرين
لأبرز هذا (التدفق الأنثوى) الحار
أحبك
عيونك حكيت لى
شهامتك قالت لى
خلاص مش حتبعد
وانا عارفه قلبك
(دا قادر لما يوعد)
السطر الأخير يحتاج لضبط الوزن وينضبط هكذا :
بيوعد وقادر يوفّى
وذكر (الشهامة) ـ هنا ـ لايقع إلا من أنثى
هذه بعض (الملامح) ، الأنثوية . أما (التجسيد) فواضح فى :
* إلحاح الملامح والسماخة
* امتزاج الطبيعة حيث تتحد عناصرها (ولونك ف لونى)
* نداء العيون للعيون
* وانبساط البسمة غطاءاً
حكى العيون وقول الشهامة
وأخيراً فالشاعرة قد نجحت فى مزج (عناصر) القصيدة مفردات وعروضاً وتصويراً واضحاً و . و . و .
بحيث تضافرت كل هذه العناصر فى صنع قصيدة يشيع فيها (الروح الأنثوى) وتنساب مفرداتها وإيقاعاتها فى يسر وسلاسة وتدفق فعولن ـ هنا ـ يصور تلاحق الأنفاس شهيقاً وزفيراً معبراً عن أنثوية واندفاع إلى مثيرها .
وبحر (المتقارب) ـ هنا ـ موافق تماماً لهذا التدفق والتلاحق فوحدته الوزنية (فعولن) تُنطق على دفعتين (فعو ...... لن) وفى العامية تكون هذه التفعيلة صحيحة دائماً بسبب انتهائها بسكون فلا يدخلها (القبض) الذى يحذف خامسها الساكن فتصبح (فعول // o /) كما نرى فى شعر الفصحى ... وبذلك تتوالى (فعو ... لن) توالياً محسوماً ... وسكون (المد) وهو (الواو) ـ هنا ـ لايقف عليه اللسان وإنما يمد به (فعووووولن) وإن بدت (مسافتين) لمن يستريح عند (المد) قليلاً (فعو..... لن) المهم ... (فعولن) محدثة فى هذا النص تهدجاً ملائماً للموضوع .

النشيد
من ديوان (يافرح صاحبنى)
لحظة وصول الاحتمال
بين المحال ... ظهرت لغه
بتطل من حرف الحصار
وسع لها الحلم البعيد
وقيد لها كل الشموع
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
هذه هى (القصيدة) بكاملها ... وأنا أسمى هذا اللون من الشعر (المضغوط) ... (الومضة الشعرية) ولى ديوان كامل من هذا الشعر اسمه (ومضات شعرية) وهذا اللون لايقدر على صياغته إلا القلة القليلة من الشعراء فمن السهل أن نثرثر ونأتى بالكلام المترهل ولكن من الصعب أن تأتى بالكلام القليل ذى المعنى الرحب ... وسنرى مدى ماوفقت إليه شاعرتنا فى هذا اللون .
هى قد جسدت الاحتمال فى صورة كائن حى قادم ... ثم استقر بين المحال ... وفى لحظة القدوم والاستقرار ... ظهرت لغة مطلة من حرف الحصار والشاعرة تنادى سامعها أن يوسع لهذه اللغة الحلم البعيد وأن يشعل لها كل الشموع .
ونحن هنا لم نصنع شيئاً سوى إعادة مانظمته الشاعرة (نثراً) والنثر لايعنى غناء النظم .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
الاحتمال ..... المحال ..... نقيضان قد تلاقيا ... الاحتمال هو مايمكن وقوعه ... والمحال هو غير الممكن فكيف التقيا ؟
هما لم يلتقيا ... فحين وصل الاحتمال (حوصر) بين جدران المحال وصارت الهيمنة لهذا الحصار (المحالى) ... ولو ظل الاحتمال على وضعه محاصراً لابتلعه المحال ... فكان لابد من منقذ ... هذا المنقذ هو (لغة) ماأخذت تطل من (حرف) الحصار
 ... وأنا أتصور ـ الآن ـ احتمالاً يكاد يبتلعه محال إلا من حرف يتأبى على البلع ... وهذا الحرف تتولد منه لغه لمّا تزل محاصرة ... ومهمتنا أن نوسع لها الحلم البعيد ونقربه (أى نحقق أملها فى الخلاص من المحاصرة) وأن نضىء لها شموع خلوصها لتنطلق وبذلك نحرر الاحتمال من قيود المحال .
ويمكننا القول :
مزج الاحتمال بالمحال ... هذه (الجدلية) تولد لغة لاهى الاحتمال صرفاً ولاهى المحال محضاً . بل هى لون (ثالث) يحمل من هذا وذاك ... (شاى بلبن) هو سائل متولد من الشاى واللبن ولكنه سائل (ثالث) لاهو الشاى ولاهو اللبن ... وهكذا تكون هذه اللغة وليدة الاحتمال والمحال معاً ... ماهى هذه اللغة ؟ لا سؤال ... وقد نجحت الشاعرة فى إيهامها وفى (تنكيرها) للّغة ولو أفصحت ولو أسمتها لضيقت فسيحاً رحيباً ولقضت على متعة التكهن والتساؤل ومحاولات التحديد .
وكنت أقول : شاعرتنا تعنى لغة (الشعر) أو الفن عموماً فاللغة الشعرية والفنية ليست احتمالاً قحاً وليست محالاً صريحاً ... فالاحتمال يوقعها فى نسخ الواقع على الورق ويصيبها بالتسطيح والمحال يجعلها غموضاً وانغلاقاً ... ولكنها وليدة جدلية (الشاى واللبن) عفواً أقصد الاحتمال والمحال معاً .
ولكن
أتنازل عن هذا القول تاركاً كلمة (لغة) مطلقة لاحدود لها ولاتخوم لتمدنا بزخم من المعانى الموحية والآخذة الخيال إلى أمداء لا أول لها ولا آخر ولو أعملنا نظريتنا ـ غير المسبوقة (الوصل والفصل التفعيلى) ـ لوجدنا (الفصل) فى :
بين المحال = مستفعلان
ظهرت لغة = متفاعلن
يتطل من = مستفعلن
حرف الحصار = مستفعلان
وقيد لها = متفعلن
كل الشموع =مستفعلان
ونجد (الوصل) فى :
لحظة وصول الإحتمال = مستفعلن مستفعلان
وسع لها الحلم البعيد = مستفعلن مستفعلان
فالكاميرا (التفعيلية) تسلط على :
موضوع الحصار (بين المحال)
ظهور اللغة (ظهرت لغة)
* الإطلالة ـ (بتطل من)
* مكان الإطلالة (حرف الحصار)
* الإضاءة (وقيد لها)
ثم تنتقل الكاميرا إلى :
* لحظة وصول الاحتمال (هذه اللحظة حلقة فى سلسلة الانتقال ... وهى الحلقة الأخيرة فى هذه السلسلة)
* وسع لها الحلم البعيد (عملية التوسيع عملية متصلة)
* وحروف الحلق : ء ، ح ، ح ،ع ،ح ،ع ،هـ ، ع .
تدل على معاناة (جوانية) وتعطى إحساساً بالاختناق الناجم من الحصار وفى (المدود) ... (الألف الواو والياء) المدية تصوير لمحاولة الخلاص (ألف المد رأسية) تمثل محاولان القفز من أسوار الحصار و (الواو والياء) ذات امتداد (أفقى) يصور محاولات الانفلات هنا وهناك ، والفعل (الماضى) دليل على وقوع الحدث وتمكنه فاللغة قد (ظهرت) وأصبحت واقعاً أما الفعل المضارع فيمثل وقوع الإطلالة واستمرارها (بتطل) .
وفى فعل الأمر (وسع) معنى (التوسيع) حين (نفك) الإدغام هكذا وسسع (و س س ع) ففى هذا (الفك) زيادة حرف (السين الثانية) هى فى الحقيقة زيادة (خطية) ولكنها زيادة على كل حال والزيادة (توسعة) لاشك فيها وفى الوقوف على السين الأولى وس اتكاء (إصرارى) على استنهاض المأمور واستنفاره وحثه على الفعل . وحركة التوسعة مكنونة فى هذا النطق (و س .... سع) فبتكرارها تقف على هذه الحركة .
وتوسعة (الحلم) أشق من توسعة الطرق فهى تحتاج إلى الموت والبعث مرات ... والمد فى (وقيد) يوحى بجدية الإشعال (قييييد) والحث عليه وفى (كل الشموع) يعنى كل مالدينا لامن شموع فحسب ولكن ... كل مايحدث ضوءاً .
و.... يكفى ... ونقر بتوفيق الشاعرة فى صوغ هذه (الومضة) صياغة ممتازة .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ


الثمن
من ديوان (مصر جنة بتبتسم)
آه يازمندوار
دورت لى ضهرك
دفعت لك عمرى
وشبابى كان مهرك
فرشت لك صبرى
فوضت فيك أمرى
آه يازمن دوار
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
هذه (ومضة) أخرى
آه يازمن = مستفعلن
دوار = فعلان
دورت لى = مستفعلن
ضهرك = فعلن
دفعت لك = متفعلن
عمرى = فعلن
شبابى كان (شبابكن) = متفعلن
مهرك = فعلن
فرشت لك = متفعلن
صبرى = فعلن
فوضت فيك (فوضت فك) = مستفعلن
أمرى = فعلن
آه يازمن مستفعلن
دوار = غعلان
(لم نلتزم بالخط العروضى لسهولته عندنا)
فى هذه (الومضة) لانجد (الوصل التفعيلى) فكل كلماتها (مفصولة) لعلة مفادها :
* الأسلوب (الإحصائى) فالشاعرة (تعدد) ماقدمته لهذا الزمن الدوار
1 ـ دفعت لك ..... عمرى
2 ـ شبابى كان .... مهرك (أرى حذف الواو السابقة على (شبابى) لزيادتها على الوزن ولأن (التعدد) يقتضى ذلك فنحن نقول (اشتريت كراسة ، قلم ، مسطرة ووو)
3 ـ فرشت لك ..... صبرى
4 ـ فوضت فيك ..... أمرى
وهكذا
* سرعة العطاء فما عددته أعطته بتدفق وتوالٍ :
دفعت لك عمرى
شبابى كان مهرك
فرشت لك صبرى
فوضت فيك أمرى
(تفويض الأمر من ضمن العطاء) فهى لم تثر عليه ولم تلعنه كعادة ضحاياه ... ولكن فوضت أمرها فيه .... إلى الله سبحانه .
وضع المواجهة أمام المدابرة فالزمن أدار لها ظهره أما هى فقد واجهته بعطاء متدفق .
ونجد فى (فصل) الزمن من صفته ... بعداً زمنياً من أجل الاتكاء على هذه الصفة التى هى العلة فى قساوة الزمن آه يازمن .... دوار
ونلاحظ أن (دوار) على وزن (فعلان) عروضياً و(فعال) صرفياً معاً يجعل المبالغة (مركبة) ومما يوحى (باحترافه) الدوران فنحن نقول (نجار ، جزار ، لبان ، ,,,)لنفصل بين (الحرفة) ووقوع الفعل مرات قليلة فحين نقول (ناجر ، جازر ، لابن) لانعنى (الاحتراف) ولكن نعنى ملابسة الإنسان حالة طارئة فالناجر من يصلح مقعداً مثلاً دون الرجوع إلى النجار وكذلك الجازر أما اللابن فمن يسقى غيره لبناً .
والشاعر يقول : وخدعتنى وزعمت أنك لابن فى الصيف تامر
فالتامر من يطعم تمراً والتمار بائع التمر إذاً فالزمن (دوار) فهو :
* من حيث المبالغة كثير الدوران
* ومن حيث تعوده على الدوران يبدو كأنه (احترفه) فصيغة (فعال) تدل على المبالغة وعلى الاحتراف فى الأمور المادية فمن المبالغة :
قهار ، ظلاّم ، قتّال ، كرام ، علاّم ، قرّاء ومن الاحتراف :
حداد ، بنّاء ، بقال ، طباخ ، سباك
دورت لى ضهرك (الشاعرة تكتبها ظهرك وضهرك وضهرك أدخل فى العامية)
ونجد الفعل (دوّر) فعل الدال على المبالغة كما تقول (قتّل ، ذبّح ، هدّم ، مزّق ، قطّع ، ووو ولاغرو (فالدوار ... يدّور) فليس دائراً ليدير) فـ (فعال) يوافقه الفعل الذى على وزن (فعّل ، يفعّل) والشاعرة لم تقع فى التهويل كأن تقول ـ كالعادة (يازمن دوار درت بينا وزلزلت بينا الأرض ووو) بل اكتفت بقولها :
دورت لى ضهرك
كناية عن الإعراض والانصراف وعدم المبالاة واتكأت على الفعل (دوّرت) الدال على المبالغة دون تهويل ثم قدمت (قائمة) بما دفعته لهذا الزمن الدوار
* دفعت لك عمرى .... وماذا بعد العمر ؟
فكل مدفوع يعوض إلا العمر الذى لا تعود منه ثانية تمضى .
شبابى كان مهرك .... شبابى .... ما أغلاه من مهر
* فرشت لك صبرى ... تخيلوا فراشاً كهذا لتدركوا مدى المعاناة والجهد والبذل والعطاء بل الموت آلاف المرات .... فكأن هذا الزمن الدوار (عروس) دُفع لها المهر الغالى وقُدم لها (الجهاز) الثمين فما أعطت سوى الإعراض والازوارار فكان من البدهى ـ بعد كل هذا العطاء ـ أن تقول الشاعرة :
* فوضت فيك أمرى
* فتفويض الأمر لله سبحانه وتعالى يأتى بعد أن تُغلق كل الأبواب وبعد أن يُغلب المرء على أمره فيهتف كما هتف مؤمن ال فرعون :
* (... وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد) 44 غافر
فقد استنفد كل طاقات نصحه ودعوته ، ولما لم يجد سميعاً هتف بهذا التفويض الدال على بلوغه أقصى المدى .... وهنا يتجلى سبحانه بنصره ....
آه يازمن دوار
وهذا (عود على بدء) فكما بدأت الشاعرة (ومضتها) فقد ختمتها بهذا البدء (لتغلق الدائرة) فالزمن دوار فى أولاه ... دوار فى أخراه ... ولاحول ولاقوة إلا بالله وتلاحظ كثرة (الراءات)
(دوار ، دورت ، ضهرك ، عمرى ، مهرك ، صبرى ، أمرى ، دوار) والراء حرف تكرير .... إر ... إر .... إر .....
وهذا صوت (الدوران) وهذا مانجده فى قول امرىء القيس الشهير :
مكرٍ مفرٍ مقبلٍ مدبرٍ فهذا (صوت الكر والفر)
وهنا أيضاً (أر أر ة) الدوران
واستخدام (كاف الخطاب) و (ياء الملكية) استخدام موفق وكذلك (تاء المتكلم والمخاطب)
دورت (أنت) لى (أنا) ضهرك (أنت)
دفعت (أنا) لك (أنت) عمرى (أنا)
شبابى (أنا) كان مهرك (أنت)
فرشت (أنا) لك (أنت) صبرى (أنا)
فوضت (أنا) فيك (أنت) أمرى (أنا)
فهنا ظلم واقع منك (أنت) يازمن علىّ (أنا) المغلوبة على أمرى والتى لاتملك سوى تفويض الأمر إليه جل وعلا .
والآهة ـ هنا ـ تصور هذه المأساة (مضغوطة) ضغط النخلة فى (النواة) فهى ليست كغيرها من الآهات وهى مفتتح المأساة ومختتمها .
وهكذا رأينا فى هذه (الومضة) مارأينا ولدينا بفضله تعالى ـ الكثير والكثير مما لم نقله فيها ولكن ....
(بلاش طمع)

جسر
من ديوان (تنهيدة صبية)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وتتشابك دوايرنا أنا وانت
ف رؤيا مابينا تتوحد
وأقرا سطور حواديتك
وتقرانى
تحس برعشة النشوى
مابين القلب وعيونا
وصال أبدى يطوقنا
على كتفه النهار طالع
يقول للشمس
تعطر عمرنا بهجة
قمرنا يعود يغازلنا
ياخدنا ف المدى الواسع
ف سحر الكون
وتتشابك دوايرنا
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وتتشابك = مفاعيلن
دوايرنا = مفاعيلن
أنا وأنت = مفاعيلن (أناونتا)
وأقرا سطور (وأقرسطور) = مفاعيلن
حواديتك = مفاعيلن
وتقرانى = مفاعيلن
وصال أبدى = مفاعلتن (وصل أبدى)
يطوقنا = مفاعيلن
يقول للشمس = مفاعيليان (يقللشمس)
قمرنا يعود (قمرنيعد) = مفاعيلن
يغازلنا = مفاعيلن
ف سحر الكون = مفاعيليان
وتتشابك = مفاعيلن
دوايرنا = مفاعيلن
هذا هو (الفصل) التفعيلى الذى يسلط الضوء على ماهو مهم ويعطيه (كادراً) خاصاً فالتشابك والدوائر والحبيبان وقراءة السطور والحواديت وقراءة المحبوب المحبوبة والوصال الأبدى والتطويق والقول للشمس وعودة القمر والمغازلة وسحر الكون ثم التشابك والدواير
كل هذا لاتخفى أهميته ولا استحقاقه إطاراً تفعيلياً خاصاً .
أما (الوصل) ففى
* ف رؤيا ما بينا تتوحد
فالتوحد هو (وصل) المحبوب بمحبوبته
* تحس برعشة النشوى
(إتصال) الرعشة بالنشوى لا جدل فيه
* ما بين القلب وعيونا
الرعشة (صلة) تربط القلب بالعيون
* على كتفه النهار طالع
الحامل والمحمول لا ريب فى اتصالهما
* تعطر عمرنا بهجه
العطر ، كيف لا (يتصل) بالمتعطر ؟
* ياخدنا فى المدى الواسع
الأخذ (موصول) بمأخوذه والعكس صحيح
لا شك فى (توظيف) .... (الوصل والفصل)
ونلاحظ أن الأفعال جميعاً (مضارعة) تصور استمرار الأحداث (تتشابك ، تتوحد ، واقرا ، وتقرانى ، تحس ، يطوقنا ، يقول ، تعطر ، يعود ، يغازلنا ، ياخدنا ، تتشابك .
وتشابك (الدوائرليس كأى تشابك فالدائرة حلقة لافرجة فيها ومعنى هذا أن تشابك الدوائر محكم بحيث لا تنفلت دائرة من اختها وتشابك الدوائر إما يؤدى إلى (سلسلة) متصلة الحلقات وإما يؤدى إلى ساسلة تصبح بدورها حلقة كبرى حين تتشابك الدوائر وتنغلق أولاها على أخراها ... المهم هذا تشابك لايعدله تشابك ، والدوائر ـ هنا ـ تعنى كل ما لدينا فكلانا بكل ما عنده متشابك (قلبانا ، عقلانا ، روحانا ، جسدانا ووو) ويؤكد هذا قول الشاعرة :
(أنا وأنت) ولتسمح لى أن أحذف (واو العطف) هكذا (أنا إنت) فهذا تشابك تذاوبى تغلغلى تدسسى تغورى تعمقى انصهارى .
رؤيا ما بيننا تتوحد
فلدينا توحد (مركب) فنحن كيان متوحد متشابك موصول برؤيا بيننا هى بدورها متوحدة .
ما هذه الرؤيا ؟ وبماذا توحدت ؟
لايهم فالمهم أن كل شىء (يشابكنا ونشابكه).
وأقرا سطور حواديتك وتقرانى
وهذا مزيد من التوحد والتشابك فكل منا يقرأ الآخر والقراءة معايشة وتفهم وتعمق وعطاء مدخر .
ومعنى هذا أننا تفاهمنا وتعمقنا وصار لكل منا (رصيد معرفى) عن الآخر وهذا التوحد المتشابك المتواشح يصل إلى ما يصل إليه المتواصلان بدنياً وإن لم يتم بينهما لقاء بدنىّ ... حقاً فإن لمثل هذا التذاوب رعشة كرعشة الارتواء ... وهذه الرعشة كالسيال الكهربى يصل مابين القلوب والعيون وجميل من الشاعرة أن تفرد القلب فلم تقل القلوب أو قلوبنا فقد أصبح الحبيبان المتشابكان المتوحدان قلباً واحداً .... وهنا (إشكالية) طريفة أوجدها هذا التعبير :  
وتقرانى تحس برعشة النشوى
هنا تكون القراءة باعثة للرعشة .
ويكون الوصال الأبدى
ما بين القلب وعيونّا
ولكنى أرى أن الرعشة لو جعلناها (حالاً) لكانت أوقع وأفعل .... واسمحوا لى بأن (أنصب) ... (وصال) كأنها فى سياق فصيح من أجل التوضيح لا أكثر
وتقرانى
تحس برعشة النشوى
ما بين القلب وعيونا
(وصالاً أبدياً)
وعلى كل حال فالسياقان معبران عن التشابك
وتأتى (يطوقنا) تأكيداً وتعميقاً وهذا الوصال ليس كأى وصال فهو يحمل على كتفه نهاراً (طالعاً)
يقول للشمس :
عطرى عمرهما بالبهجة
وهنا نرى الشمس ورداً سحرياً عطره البهجة والحبور
وحين يقبل الليل يغازلنا القمر ويأخذنا إلى مدى لايُحد فى هذا الكون الساحر وتتشابك دوائرنا أكثر
ونحن نرى (التشابك) فى :
الدوائر ، الرؤيا ، التوحد ، قراءة كل منا للآخر ، الوصال الأبدى ، التطويق ، وجميل من الشاعرة أن تبدأ بالتشابك وتنتهى به وهذا (تشابك) آخر يضاف إلى سلسلة (التشابكات) فالشاعرة بهذا قد صنعت (دائرة) فبدأ القصيدة (متشابك) بنهايتها والشاعرة لاتقرأ (سطور حواديته) ولكن تقرؤه هو فهو (حواديتها) وهى (حواديته) فليس المجال (التشابكى التذاوبى) مجال حواديت إلا إذا كانت هذه الحواديت أحداثاً جمعت بينهمتا فتجلت هذه اللحظات (التشابكية) فعاشاها لتزيد تشابكهما تشابك ذكرى و (عطر الشمس) لابد أن يكون مغايراً لأى عطر فهو عطر دافىء مضىء .
وتلوين (مفاعيلن) صحيحة ومعلولة بعلة زيادة أعطى الإيقاع حيوية ودفع عنه الإملال والرتابة فبعد تدفق مفاعيلن نجد (فرملة) فى (يقول للشمس) ثم تدفق ثم (فرملة) أخرى قبل النهاية (ف سحر الكون) وكلا (الفرملتين) على وزن (مفاعليان ـ // o/o/oo) وهذه علة زيادة اسمها التسبيغ ، تزيد ساكناً على ما آخره سبب خفيف ... ولم تكن عاملة عند الخليل إلا فى (فاعلاتن) فتصير بها (فاعلاتان ـ /o//o/oo) ولها شاهد يكاد يجمع عليه العروضيون هو :
لن تنالوا البر حتى      تنفقوا مما تحبون
وقد أسقطت البيت الأول لفحشه وعدم توقيره للقرآن الكريم . وشاهدنا على (التسبيغ) هو
ماتحبون = ماتحببون
/o//o/oo
وأنا أرى فى إعماله فى فاعلاتن وأرى أن (مفاعيلت ومفاعلتن) أولى به فهو معهما أخف وأيسر ولى قصيدة كاملة ذات ضرب (مسبغ) وبيتها الأول (مصّرع) :
أنا أدرى الذى تأتين   وأغمس لقمتى فى الطين


لذى تأتين               

متىفططين              مفاعيليان
ف (مفاعيليا = مفاعيلن فبل دخول التسبيغ وقد دخلت (مفاعلتن) مرة واحدة فى (وصال أبدى) وبذلك تكون القصيدة من الوافر لا من الهزج .


اسكندرية
من ديوان (مشاعر)
اسكندرية شريان حياتى
فردت شراعها فى ذكرياتى
تكوين ملامحى .... تأملاتى
يا طله دايماً مابين سكاتى
أنا عاشقه بحرك باسبح فى كونه
ولاجل خاطرك باتوه فى لونه
يشرق فى قلبى ضيك ياقلبى
وأكون ف أسعد أوقات ساعاتى
لما بنحكى ناخد .... وندّى
وارمى فى صدرك همى ... يوماتى
يا اسكندرية شريان حياتى
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
اسكندرية =مستفعلاتن                        (اسكندرية)
شريان حياتى = متفاعلاتن                  (شرين حياتى)
فردت شرعها = مستفعلاتن                 (فردت شراعها)
فى ذكرياتى = مستفعلاتن
تكوين ملامحى = مستفعلاتن                (تكون ملامحى)
تأملاتى = متفعلاتن                           (تأمملاتى)
باطله دايما = متفعلاتن                       (بطللديمن)
مابين سكاتى = متفعلاتن                     (مبن سكاتى)
أنا عاشقه بحرك = متفاعلاتن               ( أنعشقبحرك)
باسبح ف كونه = مستفعلاتن                (بسبح فكونه)  
ولاجل خاطرك = متفعلاتن                  (ولجل خطرك)
باتوه ف لونه = متفعلاتن                     (بتهفلونه)
يشرق ف قلبى = مستفعلاتن
ضيّك ياقلبى = مستفعلاتن                    (ضييك يقلبى)
وأكون ف أسعد = متفعلاتن                  (وكن ف أسعد)
أوقات ساعاتى = مستفعلاتن                 (أوقت سعاتى)
لمّا بنحكى = مستفعلاتن                       (لمما بنحكى)
ناخد وندّى = مستفعلاتن                      ( ناخد ونددى)
وارمى فى صدرك = مستفعلاتن            ( ورمى فصدرك)
همى يوماتى = مستفعلاتن                   (هممى يماتى)
ياسكندرية = مستفعلاتن                     (يسكندرييه)
شريان حياتى = مستفعلاتن                 (شرين حياتى)
للزجل موازين لا تقع تحت حصر فهو يقوم على العروض الخليلى وزيادة حتى قيل :
صاحب ألف وزن (قشلان) وليس بزجال
وهذا الزجل يقوم على (مستفعلن المرفّلة) والترفيل علة زيادة تزيد سبباً خفيفاً على ما آخره وتد مجموع والعروض لايجعل العلل (نقصاً وزيادة) إلا فى (الأعاريض والأضرب) ولايدخلها (الحشو) إطلاقاً .... لكن الزجالين تصرفوا وأدخلوا العلل فى الحشو وكان دخولاً سائغاً كما نرى فى هذا الزجل وقد دخلت (متفاعلاتن) مرة (أنعشقبحرك) ولانقول ـ هنا ـ إن البحر تحول من (الرجز) إلى (الكامل) لدخول متفاعلن عليه ... فلا رجز ولا كامل فهذه (تركيبة) أحدثها الزجالون وهم لم يسموا أغلب ماأحدثوه بل راحوا يستخدمون (التفعيلات) دون تحديد إسم (البحر) فهم ـ غالباً ـ يعتمدون على التفعيلة دون البحر وهذا لاينال من سلامة الوزن فالعروش يقوم على (متواليات حرسكونية منتظمة)
على عكس النثر القائم على (متواليات حرسكونية عشوائية)
فما دام التوالى الحرسكونى منتظماً فالوزن سليم سواء أكان خليليلا أم مستحدثاً ... وهذا الزجل من حيث التوالى سليم جداً وهو وزن (متمايل) يوافق التغنى بجمال عروسنا الجميلة (الاسكندرية)
مستفعلاتن ............. مستفعلاتن
أو
د ن د ن د د ن د ن              د ن د ن د د ن د ن
وقد قام هذا الزجل كله على (الفصل) التفعيلى كما أوضحنا (لأهمية المفصول)
اسكندرية ، الشريان ، فرد الشراع ، الذكريات ، تكوين الملامح ، التأملات ، الإطلالة الدائمة ، و , , ..... أترك لكم تتبع ماتبقى ... للمران والتعود على معايشة هذه النظرية .... (الوصل والفصل التفعيلى)
يبدأ الزجل بــــــــ
اسكندرية ... شريان حياتى
فذكر اسم المحبوب فى مفتتح الكلام يدل على مكانته فى النفس فهو (أول) مايخطر على (البال) والبدء به يعطيه (قداسة) فكأننا (نتبرك) به .... وشريان الحياة فوق شرايين الجسد فهذه من ضمن (مافى الحياة) فتكون الاسكندرية شريان الحياة بما فيها شرايين الأجساد (كل الأجساد الحية وليست أجساد البشر فحسب) .
ولما كانت الشرايين (أنابيب الدم) التى تغذى الجسم بما يجرى فيها ... فلنا أن نتخيل (شرايين) الحياة نفسها ... ولنا أن نتخيل مآل الحياة دون هذه الشرايين ... لا تخيل فلا شىء سوى الموت والعدم فإلى هذا الحد تكون الاسكندرية وتكون فاعليتها ومكانتها فلا عجب أن خصتها الشاعرة بتفعيلة على قدرها (إسكندرية = مستفعلاتن) وقد جاءت التفعيلة صحيحة ومزيدة ولم يدخلها أى (زحاف) لا (خبن) يحذف ثانيها الساكن ولا (طى) يحذف ساكنها الرابع فحب الشاعرة لموطنها (الاسكندرية) حب (كامل) فلابد للإطار التفعيلى الخاص بها أن يكون (كاملاً) كذلك و(لياء الملكية) ـ هنا ـ ازدهاء وتفاخر وتباهٍ شريان حياتى أنا فمن له مثل هذا الشريان ؟ وفى (تشديد) ياتء الاسكندريّة ـ هنا ـ اتكاء لذيذ وتثبيت فموى لايهون عليه أن ينصرف عن الضم والتشبث .... اسكندريّـــــــ.....يه فالحرف المشدد حرفان أولهما (ساكن) يتوقف عنده اللسان توقفاً يسيراً غير ملحوظ .... والياء ليست حرفاً فموياً تنطبق عليه الشفتان كالميم مثلاً .... ولكن ـ هذا ـ اتكاء على الياء الأولى يجعل الفم كله لا يريد أن يغادرها .
فردت شراعها فى ذكرياتى
هنا تصبح الذكريات بحراً وتصبح الاسكندرية ذات شراع يسبح فى هذا البحر وهذا تعبير جيد عن تبادل (الاحتواء) فالاسكندرية (الموطن والمحضن) الشاعرة محتضنُه ، ثم نجد ذكريات الشاعرة بحراً يحتضن الاسكندرية وشراعها السابح فيه ولكن هذا السبوح من الاسكندرية وإليها فما هذه الذكريات إلاعنها هى (طفولة الشاعرة ، ملاعب صباها ، لداتها ، حياتها الماضية والآتية و و و و ....)
كل هذا عطاء الاسكندرية فهى تسبح فى ذاتها عبر ذكريات الشاعرة وهذا (توحد) لاشك فيه تكوين ملامحى ... تأملاتى
ملامحى ... اسكندرية ... تأملاتى ... اسكندرية وليس تكوين الملامح ولا التأملات إلا تعبيراً (بالبعض عن الكل) فكل ماعندى هو هو الاسكندرية وتكوين الملامح لا يتم طفرة وإنما هو ينمو ويتطور وئيداً .. من الميلاد إلى الطفولة إلى الصبا إلى الشباب وهكذا فالملامح ـ وإن كان لها سمت ثابت ـ لابد من تغيرها فعوامل الزمن لها أثر لاشك فيه .. المهم هذه الملامح ـ ثابتها ومتحولها ـ هى أنت يا سكندريتى الحبيبة وكذلك كل تأملاتى ، ولما كانت الملامح (ظاهرة) والتأملات (باطنة) فإن الاسكندرية (ظاهرى وباطنى و .... كل شىء)
ياطاله دايماً مابين سكاتى
السكات ... الهدوء ... لحظات الإخلاد إلى النفس والاختلاء بها ... كل هذا ليس لى وحدى فأنت يامدينتى الحبيبة تطلين علىّ دائماً فى هذه اللحظات فاختلائى بنفسى اختلاء بك فأنت نفسى وسكوتى لا لأستريح من الصخب والضجيج والضوضاء ... ولكن لأخلو بك وأستمتع بهذه الإطلالة الدائمة .
أنا عاشقة بحرك باسبح ف كونه
ولاجل خاطرك باتوه ف لونه
هذا (هشق) والعشق تشابك وتداخل وتواشج وتمازج نقول (الخشب المعشق و ... عشق الفتيس وهذه النافذة عاشق ومعشوق)
والعشق حب و ... زيادة ... هذه الزيادة هى التذاوب فى المحبوب ووصله وتمازجنا به روحاً وعقلاً وقلباً وجسداً ... فكل عشق حب وليس كل حب عشقاً فالشاعرة (عاشقة) للبحر .... السباحة تمثل (الدخول) والتغلغل حيث الاحتضان المتبادل بين السابح والماء فالسابح لا يسبح فى خلاء وإنما فى ماء يضمه هو ويضمه الماء يجلل ويغطى بدن السابح ويتخلل زواياه أليس هذه عشقاً ؟ وزد عليه ما يغتمل فى نفس السكندرى من حب جارف لبلده ... وبهذا يجتمع الحب والعشق وليست السباحة فى البحر فقط ... وإنما هى فيه وفى (كونه) أى عالمه وأسراره وغموضه وأعماقه وكنوزه و . و . و . فهى سباحة (شمولية) تدل على (استبطان وتعمق وتغاور)
ولأجل خاطرك باتوه ف لونه
التيه ـ هنا ـ إرادى فمن أجل اسكندريتى تيه ... أغيب ... أصبح من مكونات هذا اللون وليس الأمر هنا من قبيل (لاجل الورد ينسقى العليق) لا ... فالاسكندرية كلها (ورد) ولاعليق ولكنه من قبيل الحب الدافع إلى ركوب المخاطر وإن كان التيه فى لون بحرك ليس من المخاطر ويمتعنى ويشبعنى ويروينى ... حتى لو كان من المخاطر فلأجلك سيدتى يهون كل خطر بل ويعذب ويحب .
سشرق ف قلبى ضيك ياقلبى
يشرق ـ وإن كانت محدثة إشكالاً فإن نطقناها بالقاف فلابد من ضم الياء (يُشرق) وهذا بعيد عن العامية فإن نطقنا القاف (همزة) فصارت (يشرأ) لصبح معناها بعيداً جداً عن (الإشراق) ولأصبح بمعنى (يغص) ولاموقع (للغصة) هنا ولكن الإشراق ـ على كل حال ـ ملائم فالاسكندرية تصير به شمساً تشرق فى القلب فتضيؤه
جميل تكرار (قلبى)
فأنت يااسكندرية تشرقين فى (قلبى) يا ....
(قلبى) فكأنك تشرقين فيك عبرى
وهذا توحد فريد ... وكذلك فقول الشاعرة :
يا (قلبى) يصور حباً بلغ حداً لانملك
حياله إلا أن نهتف بالمحبوب ... (ياقلبى)
إنتشار الضياء فى القلب يستدعى ـ طبقاً لقانون المخالفة ـ عمى القلب وتخبطه فى الدياجر إن حُرم هذا الإشراق .... وفى هذا بيان لشدة الحاجة إلى هذا الضياء المشرق
وأكون ف أسعد أوقات ساعاتى
كنا نتوقع ... أسعد أوقات أيامى أو عمرى أو حياتى
إلا ... (ساعاتى) فالساعات هى الأوقات بل الوقت لا يُحدد إلا بها نقول :
جلسنا وقتاً مقداره أربع ساعات أو تبقى من الوقت ساعتان أو مر من الوقت ساعة وهكذا . ولكن (أوقات ساعاتى) تشى بوقت (مضاعف أو مركب أو أكثر عمقاً فى الزمن) فالوقت هو (المقدار) من الزمن وهو مقدار مطلق إذا لم يحدد (بالساعة ، باليوم ، بالأسبوع ، بالشهر ، بالعام) فلابد من تحديده حتى يعين وهنا أوقات و ..... ساعات فالأوقات إذاً حسبناها بالساعات تحددت وإذا لم أصبحت مطلقة فكأن الشاعرة تقول إنها سعيدة سعادة تستغرق (الزمن) كله مطلقة ومحددة .
والساعات تتضمن الأوقات والساعات ـ هذا ـ لم تحدد بعدد معين إذن فساعات عمرى كله بما تتضمنه من أوقات مليئة بهذه السعادة
لما بنحكى ...... ناخد وندّى
الاسكندرية ـ هنا ـ صديقة مسامرة محاورة تشارك صديقتها الشاعرة حديثها وحكاياتها وفى (ناخد وندى) معنى (تبادل) الأحاديث والحكايات وفى هذا (تجسيد) للاسكندرية فى صورة إنسانية .
وارمى فى صدرك ـ كنت أريد أن تكتب الشاعرة هذه الكلمة هكذا (سدرك) بالسين لا بالصاد كما ينطقها العوام ليكون كلامها أقرب رحماً إلى العامية .
هى ترمى فى (سدر) الاسكندرية صديقتها همها اليومى فصدر الاسكندرية الصديقة مستودع ماتفضى به الشاعرة ... وفى هذا تعميق لما بينهما من حب وأخوة
هذه قصيدة ـ على قصرها ووضوحها ـ تعبر بعفوية وطفولية عن عشق الشاعرة لموطنها الحبيب .
وقد نجحت الشاعرة فى استخدام مفردات موحية معبرة مثل :
* شريان حياتى
* فردت شراعها فى ذكرياتى
* تكوين ملامحى ... تأملاتى
* وأرمى فى سدرك و و و و .
وقد جاء (الوزن) موفقاً تماماً هذا الموضوع ففيه (تمايل) يصور إعجاب السكندرى بموطنه ومباهاته به .

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

لميت كيانى
من ديوان (أحضان السنين)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فوقنى من حلمى المطر
حسيت دموعى بتترعش
وضلوعى فيها ثرثرة
حسيت بوحدة ...
واحتياجى للدفا
لميت طموحى واحتمالى
وحلمى ونجوم السما
ورجعت ...
لحظة ماسمعت
ندا لقمتى
جوا الوطن
لميت كيانى ....
وجيت له ...
ساعيه ع القدم
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

فوقنى من  = مستفعلن =فووقنمن
حلمى المطر = مستفعلن = حلملمطر
ندا لقمتى  = ند لقمتى = متفاعلن
جوا الوطن  = جوولوطن مستفعلن
(فصل) تفعيلى يبين أهمية الإفاقة ونداء اللقمة واحتواء الوطن .
أما (الوصل) التفعيلى ففى :
* حسيت دموعى بتترعش
الدموع سيال (متصل) والرعشة حركة اهتزازية (موصولة)
* وضلوعى فيها ثرثرة
* الثرثرة صوت متلاحق (متصل)
* حسيت بوحدة واحتياجى للدفا
الاحتياج شوق (متصل) إلى أن تُشبع الحاجة
* لميت طموحى واحتمالى وحلمى ونجوم السما
* اللم جمع (يصل) الأشياء يالأشياء
* ورجعت لحظة ما سمعت
الرجوع (متصل) بلحظة السماع
* لميت كيانى وجيت له ساعيه ع القدم
* السعى سير (متصل)
الغربة خدر للنفس البشرية  فالمغترب
يبنى آمالاً فساحاً ويهيم فى سماوات الأحلام وآفاق الأمانى ويخيل إليه أنه سيحقق مالم يحققه سواء من طموح وآمال ... ثم ... يفيق من خدره على الواقع المر فإذا به مستعبد مستذل للقمة العيش ... حتى لو حقق بعضاً من أمانيه فالشوق إلى الأهل والصحب والوطن نار لاذعة تقض مضجعه وتحرمه لذة الراحة والمنام والشاعرة قد بدأت قصيدتها بدءاً شاداً :
فوقنى من حلمى المطر
فكـأنها كانت مستغرقة فى نوم عميق تسبح فيه فى خضم أحلام تستغرق كل كيانها فإذا بالمطر ينهل عليها فيفيقها ويخرجها إلى واقعها الأليم .
وقد لايكون المطر مطراً يُرى ويُحس ... وإنما هو (برد الإفاقة) سقط على (دفء الأحلام ...... أحلام اليقظة) أو هو اليد التى تهز المنوم بقوة حتى يفيق أو .... أو .... أو .
فالمهم أن مخدراً أفاق . وذكر (المطر) يعنى أن المخدر كان غائباً عن وعيه غيبوبة شديدة عميقة لا يفيقه منها إلا انصباب المطر عليه انصباباً وهنا سر خفى هو كون المطر ـ بانصبابه ـ باعثاً على الخصب والنماء ومذهباً الجدب بالخصوبة ... وكون الأحلام التى لامردود لها من واقع معيش جدباً معطلاً لقدرات الإنسان .. فلا تدفعه لتحقيقها سعياً ونضالاً وإنما تخدره فيستنيم إلى لذة الخدر فيكون شأنه شأن المخمور المتخبط فى الطين وهو يصرخ (أنا جدع) وقد (جدع) الخمار أنف كرامته وعزته .
فالمطر ـ هذا ـ حقيقةً أو مجازاً عامل على الإفاقة صارفاً عن جدب دافعاً إلى خصب .... إذاً فهذا تعبير ملىء ولود .
حسيت دموعى بترتعش
ارتعاش الدموع تعبير فريد يدل على زلزلة الجسم كله نحيباً وبكاءاً فالجسم يهتز من فرط البكاء فإذا كانت الدموع وهى المتنفس مرتعشة فكيف حال البدن ؟
والعلاقة بين المطر والارتعاش وثيقة وضلوعى فيها ثرثرة
أولاً :
الثرثرة من معطيات المطر فالمطر الثروالعين الثرة ... أى المتسع والمتسعة الماء فى تدفق والثرار والثرارة مبالغة فى الاتساع وبذلك يكون المطر المنهمل قد تغلغل إلى الضلوع دليلاً على عجز الانهلال عن ظاهر الجسد مما دفع المطر إلى هذا التغلغل حتى تحدث الإفاقة .
ثانياً :
الضلوع تموج بثرثرة كلامية لا تبين بعد إلجام اللسان حزناً وبكاءاً ... هذه الثرثرة هى ما احتبس من حديث ذاتى احتبسه الانهماك فى تحصيل الرزق فى الغربة ... ولكنه فور الإفاقة تدفق فى شكل (ثرثرى) مبهم كجماعة كثيفة من الناس تتحدث فى وقت واحد فلا أحد يسمع أحداً فكل منهمك فى ثرثرته ....
والشاعرة تصور مايعتمل بين ضلوعها (موطن القلب) ـ من باب التعبير بالموطن عن المتوطن ـ فقلبها يجيش (باحتياج) ثرثرى على تغربها أو هو كالمطر الثر ينهمر بجيشان الألم والوجع والعذاب
حسيت بوحدة واحتياجى للدفا
ما كنت أريد (حسيت بوحده) فهذا من باب تحصيل الحاصل ، أما الاحتياج إلى الدفء ففيه مواكبة للموقف (مطر ، ارتعاش ، ثرثرة (بمعنى التدفق) ... كل هذا يدفع إلى التماس الدفء)
هذه هى الإفاقة ... أتراها إفاقة (مؤقته) ؟
سرعان مايطيح بها خدر جديد ... لا . فهى إفاقة إيجابية مردودها :
لميت طموحى واحتمالى وحلمى ونجوم السما
(حقيبة) واحدة جمعت طموحى المنهزم وتحملى عبء الاغتراب وحلمى البائر ... ونجوم السما ... أى الوهم الذى سيطر علىّ وأوعز إلىّ أنى سأجمع نجوم السماء فى سلة كفاحى .. كل هذا كدسته فى حقيبتى ...
ورجعت ... إلىت أرض الوطن ..
تلبية لنداء (لقمتى) فهى فيه ولو دون أدم شهى وألذ من أطايب الغربة فهى لم تطعمنى أطايبها بقدر ما أكلتنى ...
وفور هذا النداء الحبيب الكريم .. لميت كيانى وجيت له ساعيه ع القدم
الكيان وهو الطبيعة والخليقة ويُعبّر به عن الإنسان كله .. يجمع كما تجمع الأمتعة ... فهذا هو متاعى
(طموحى ، احتمالى ، حلمى ، نجوم السما ،.... كيانى)
كل هذا ... وأكثر أولى به وطنى ، فليطلق من عقاله على أرضه ... وفى السعى على القدم (فى عصر الطائرات) سرعة الاستجابة فبمجرد الإفاقة بدأ السعى على القدم دون التفكير فى أية وسيلة عصرية ... وفى هذا السعى لون من (معاقبة النفس) وعلى النزوح من الوطن التماساً للرزق فى غيره ... فماذا كانت النهاية ... ؟ فهنا لابد من عقاب ... وليكن سعياً على القدم .. هذه قصيدة أسيانة صورت مأساة الاغتراب تصويراً جيداً .

هامش
من ديوان (تنهيدة صبية)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

إيمان ...
وإيمانى كبير
وبرغم زحام الدنيا
بافرد جناحاتى واطير
والضم عناقيد الفكر قصايد
تتحدى الصعب ولكن
ما اتحداش المقادير
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فعلن فعلن مفعول
هكذا عند (الزجالين) ونرى أن نستبدل بمفعول (فعلان) من أجل التجانس التفعيلى ، فمفعول ليست من تفعيلات (الخبب) فهو قائم على قعلن = ///o وفعلن = /o /o  أما فعلان فهى (فعلن = / o /o ) أضيف إليها (علة زيادة اسمها (التذييل) تضيف حرفاً ساكناً إلى ما آخره (وتد مجموع) وفعلن =/ o /o  ليست تفعيلة أصلية صحيحة فقد كانت (فاعلن = / o //o  ) فدخلتها (علة غير لازمة
 ـ كما يقولون ـ اسمها (التشعيث) حذفت متحركاً من متحركى الوتد المجموع فصارت (فالن = / o /o ) ثم دخلتها (علة لازمة) هى (التذييل) فصارت فالان = / o /  oo. لكن (الزجالين) وجدوا أن (مفعول = / o /oo) أيسر وكلاهما على وزن واحد ...
والقصيدة أدخل فى الزجل لأن (الأبيات متساوية فى عدد التفعيلات ماعدا :
ـ والضم عناقيد الفكر قصايد
فهذا البيت من أربع تفعيلات فيزيد واحدة عن بقية الأبيات السابقة عليه والاحقة وضربخ (فعلاتن = /// o /o ) أو كما يقول العروضيون هذه تفعيلة قد دخلتها علة زيادة إسمها (الترفيل) تضيف سبباً خفيفاً إلى ماآخره وتد مجموع .
فعلاتن كانت (فاعلن + تن = فاعلاتن) ثم دخلها الخبن الذى حذف ثانيها فصارت (فعلاتن)
ولنكتب هذا (الزجل) كما ينبغى أن يُكتب :
إيمان وإيمانى كبير         وبرغم زحام الدنيا
بافرد جناحاتى واطير      ــــــــــــــــــــــــــ
تتحدى الصعب ولكن       ما اتحداش المقادير
ولو جعلنا مكان الخط الأفقى :
والضم أفكارى قصايد
لكان لدينا (ثلاثة أبيات) من الزجل على هذا الغرار (التفعيلى)
فعلن فعلن فعلان    فعلن فعلن فعلان
فعلن فعلن فعلان    فعلن فعلن فعلاتن
فعلن فعلن فالاتن    فعلن فعلن فعلان
فشعر العامية فى (معماره) كالشعر الحديث يقوم على (وحدة التفعيلة) عبر أسطر شعرية غير متساوية الطول ولا تلتزم بعدد محدد من التفعيلات فى كل سطر
إذاً فهذا زجل ولا يعيبه أن يكون زجلاً فالزجل فن جميل .
والتجسيد فى (والضم أفكارى قصايد) يجعل من الأفكار حبات تنتظم عقداً ... وانتظام الأفكار يشى بكونها شعراً لا لذكر (القصايد) ولكن لكون الانتظام يضاد (الانتثار) نعم ذكر (القصايد) يدعم ويعزز المعنى ولكن مجرد (ألضم) أى أنظم ، يشى بالشعرية وقد يقول قائل :
ولماذا لايشى (بالنظمية) والنظم وحده لا يصنع شعراً ، ولهذا نقول :
أجل ولكن السياق يفرض (الشعرية) لا النظمية فالتى اسمها (إيمان) وذات إيمان كبير والتى تشق زحام الدنيا باسطة جناحيها متحدية الصعب ولا تتحدى المقادير .... مؤمنة بهذا الحد لا يمكن أن تنظم لمجرد النظم ... ونرى (ذرة) أو (فتفوتة) أنثوية فى (ألضم) فوضع الخيط فى سم الخياط أو (الإبرة) من عمل المرأة (غالباً) خصوصاً و(اللضم) ـ هنا ـ ليس لحياكة ثوب وإنما لإمرار الإبرة فى حبات تصنع عقداً ففى هذا النص الصغير الذى فى مفتتح (المطبوع الأول) نمسك بزاويتينا (التجسيد / الأنوثة) ولو بأطراف الأصابع ولعلنا نضم عليها الأكف فى نصوص تاليه ....
سنرى .

مطر السواقى
من ديوان (أنيس قلبى)
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
فرقتنى ...
ولملمتنى
بارسم ف إسمك واكتبه
من طول بعادك ... ضمنى
الدنيا تبقى ... شارع طويل
لا ليها أول ... ولا دليل
والصبح غيم
وف طينه شق
مطر السواقى قلبه مارق
نشفت عروقه
من كتر شوقه
العشق دق
على النواصى
والفكر ناسى
راسى وقاسى
شجر الحياه
ف البعد آه
فرقتنى
ووحشتنى
نعمل نظريتنا غير المسبوقة (الوصل والفصل التفعيلى)
أترك هذه الأعمال للذى لديه إلمام كاف بعلم العروض يليه (التقطيع والقدرة على (تعليل) الوصل أو الفصل .. فربما حاول محاول أرجو له التوفيق
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
.. قتنى
.. تنى (كنت أوثر حذف واو العطف) لاتساق الوزن بين الكلمتين ... مفرق مجمع أى هو ذو سيطرة وهميمنة بحيث يفعل الشىء وضده سواء . وهو مع هذا محبوب مرغوب فهاهى محبوبته ترسم اسمه مرة وتكتبه أخرى ... المرة الأولى تشكل من حروف اسمه رسوماً مناسبة لابد أن تصور بعض مابينهما من مواقف .. وفى لالمرة الثانية تكتبه بطرائق خطية عديدة .. لاحظوا الفعل (المضارع) ... (واكتبه) .
من طول بعادك ... ضمنى
الضم هنا بمعنى الحمابية والإنقاذ أى احمنى وانقذنى من هذا البعاد الطويل
فرقتنى
لملمتنى
بارسم ف إسمك واكتبه
من طول بعادك ضمنى
فنجد الوزن هكذا :
مستفعلن
مستفعلن
مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن
وإذا شئنا جعلنا من هذه الأسطر ثلاثة أشطر هكذا :
مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن
ثم فجأة :
الدنيا تبقى = مستعلاتن
شارع طويل = مستفعلان
لاليها أول = مستفعلاتن
ولا دليل = متفعلان
لماذا ؟
لأنه بدون هذا الضم المنقذ سيحدث تغيير فى حياتى يوجب تغييراً فى الإيقاع ، فقد كانت حياتى قبل هذا البعاد الطويل فى يسر
مستفعلن مستفعلن
والآن ـ لأن الضم لم يحدث فهو مجرد رجاء صارت حياتى مضطربة ولم تعد ذات نسق موحد
مستفعلن مستفعلن
ولكن
1 ـ مستفعلاتن
2 ـ مستفعلان
3 ـ مستفعلاتن
4 ـ متفعلان
فلدينا أربع تفعيلات ثنتان متفقتان (مستفعلاتن مستفعلاتن) ولكنهما غير متعاقبتين بينهما (مستفعلان) وبعدهما (متفعلان)
وسوف تتوالى هذه التفعيلاتولن نجد عودة إلى الاستهلال التفعيلى سوى فى نهاية القصيدة
هكذا :
والصبح غيّم = مستفعلاتن
وف طينه شق = مستفعلان
مطر السواقى = متفاعلاتن
قلبه مارق = مستفعلان
نشفت عروقه = مستفعلاتن
من كتر شوقه = مستفعلاتن
العشق دق = مستفعلان
على النواصى = متفعلاتن
والفكر ناسى = مستفعلاتن
راسى وقاسى = مستفعلاتن
شجر الحياة = متفاعلان
ف البعد آه = مستفعلان
ثم
فرقتنى = مستفعلن
ووحشتنى = متفاعلن
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وهكذا نوعت الشاعرة على النغمة الأساسية مستفعلن ومتفاعلن باستخدام علتى الزيادة
(الترفيل = زيادة سبب خفيف على ماآخره وتد مجموع) بعد أن كان استهلالها التفعيلى (مستفعلن) الصحيحة المجردة من الزيادة . وذلك لإعطائنا (بعداً موسيقياً) يسوق حالتها قبل وبعد البعاد الطويل .. فحياتها قبل البعاد سلسلة سلاسة (مستفعلن) وبعد البعاد معقدة تعقيد (الترفيل والتذييل) ولاأعنى أنهما معقدان لا فهما لطيفان إنما أعنى عدم تواليهما بصورة معينة ثم تخلل متفاعلان بينهما ....
وكما انتقل البحر (الرجزى) بدخول متفاعلان أو متفاعلاتن إلى (الكامل) فكذلك انتقلت حياتى من سهولة مستفعلن إلى صعوبة (متفاعلن) فمستفعلن هكذا
مس = / o = سبب خفيف
تف = / o  = سبب خفيف
علن = // o =  وتد مجموع
فهنا نطق سهل ميسور على ثلاث مراحل كل مرحلة تنتهى بساكن
1 / o
2 / o
3 /o
أما متفاعلن فهى :
مت = // = سبب ثقيل
فا = / o = سبب خفيف
علن = // o = وتد مجموع
فلا شك فى ثقل (السبب الثقيل) فهو ثقيل فعلاً لأن النطق به (معلق) قل (مت) فكأنك قلت (متا) لتخلص من الوقوف على حركة
المهم حياتى قبل بعادك الطويل سهلة وبعده معقده
هذا بالنسبة لــ مستفعلن / متفاعلن فما ظنكم بترفيلهما وتذييلهما ؟
أنت ياحبيبى كنت تفرقنى ولكنك تعود فتجمعنى .. وأنا لا هم لى غير معايشتك حتى فى غيابك عنى .. فاسمك ألوانى من حروفه أرسم مواقف جمعتنا ، وأكتبه بكل طرائق الخط ، فلماذا طالت غيبتك وطال بعادك ؟
فاحمنى وانقذنى منه . ففى بعادك تصير دنياى شارعاً طويلاً أسير فيه وحدى بلا دليل .
وصباحى بلا شمس فهو غيم متصل وهو صباح موحل ذو طين مشقوق ليبتلع خطواتى الوجلة
والمطر منهمر متدفق كتدفق ماء السواقى
ولاقلب له ليرق ويشفق بحالتى
فمطر دافق وصباح عاتم موحل
هذه هى حياتى فى بعادك الطويل
نشفت عروقه
عروق هذا القلب الذى لايرق فهو قلب قاسٍ لا تمور فى عروقه دماء رأفة ولا رحمة
من كتر شوقه
شوقه للقسوة والجبروت هو سبب الجفاف ونضوب العروق
العشق دق
على النواصى
العشق الذى هو رمز الحنان والرحمة والرأفة وو .... يتحول إلى (مرزبة) تدق على نواصى الرءوس . لأنه فى بعادك الطويل يختل كل شىء وتنقلب الأمور رأساً على عقب فالعشق يتحول إلى (قوة ضاربة أو داقة) والفكر يصير ناسياً ويتحجر كالجبال الرواسى وهذا إشكال هو :
أشجر الحياة هو المتحجر القاسى
بتقديم الخبر على المبتدأ ... كما نقول :
جميل محمد بدلاً من قولنا :
محمد جميل . هنا :
راسى وقاسى
شجر الحياه
بدلاً من :
شجر الحياه
راسى وقاسى ؟
أم كما قلنا إن الفكر هو الناسى الراسى القاسى ؟
وإذا كان الأمر كذلك فشجر الحياة يكون كلاماً غير متعلق بما قبله ويكون المعنى :
شجر الحياه
فى البعد آه
أى لقد لاقى وعانى ماهو مضغوط فى كلمة (آه)
التى هى أبلغ من جمل وفيرة .
وشجر الحياة رمز للنضارة والإثمار والظلال و . و . و . و
ثم
عودة إلى النسق التفعيلى الاستهلالى
فرقتنى = مستفعلن
ووحشتنى = متفاعلن
أى أن حياتى ستعاود سيرتها الأولى من الاتساق والسير إذا رجعت لى بعد غيابك وبعدك الطويل .
وهكذا عبرت الشاعرة ـ لاشعورياً ـ عن طريق السياق التفعيلى عن حالتيها قبل وبعد البعاد الطويل بجوار المفردات الدالة
**********

تجسيد
والآن مع بعض الصور التى انتقيناها من هذه الدواوين (التسعة) والتى يبدو فيها التجسيد واضحاً . والتجسيد فى رأينا ـ هو الموصل الجيد الذى يربط المتلقى بالمبدع فهو مصور للمعنوى فى صورة المادى بحيث يعايشه المتلقى وكأنه كائن يُرى ويُسمع فيكون مؤثراً وفعالاً . وخير التصوير ما كان تجسيداً . بل لا يكون التصوير إلا تجسيداً ... فالتجريد من شأن الموسيقى والفن التشكيلى وإذا شاء الشاعر أن يجرد فعليه بالحذر وعدم الإسراف حتى لا ينحرف إلى الغموض والتعمية . وهيا :
وليه تتكرمش الأحلام ؟
التجاعيد ، الغضون ، التقبض .. حين تكسو الجلد .. كيف يكون ؟ هذا شىء مألوف فهذه سنة الله فى خلقه فدوام الحال من المحال فبعد الشباب شيب وبعد البسط قبض ... ولكن كيف نىر (الأحلام) ، فى انكماشها ؟ كيف يكون وجهها وقد كسته الغضون والتجاعيد ؟
الأحلام المتنفس الملجأ ... ملح الحياة وسكرها ... الأحلام لاتشيب فهى أبداً فتية ... ولكنها الآن منكمشة مجعدة ، مغضنة ، منقبضة ... فكيف نحتمى بما هو فى أمس الحاجة إلى الحماية ؟
ومن زوايا أخرى :
كانت الأحلام بساطاً سحرياً نعلوه فيحلق بنا بعيداً عن هموم الحياة .. فكيف به الآن وقد (تكرمش) ولم يعد يقوى على حملنا ؟
ومن باب آخر :
الأحلام ذات الوجه الجميل الذى يترقرق بماء الصبا منذا الذى يطيق النظر إليه وقد تشقق جلده وعاثت به التعرجات والتقوشات حتى آض (سريالىَّ) الملامح أو هو الأرض التى خددها العطش ؟
أرأيتم فاعلية هذه الصورة ؟
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
 مابيرتويش ليه الزمن ؟
تعبير جد واضح وسهل ... ولكن وراءه ماوؤاءه فحينما نشاهد إنساناً يشرب شرباً متلاحقاً نهتف :
يالجوقه من (بالوعة) وهو كائن محدود له أبعاده ولطاقاته حدود ولا مناص من ارتوائه . أما (الزمن) هذا الذى لا أول له ولا آخر إلا عند الذى خلقه سبحانه . فكيف نتصوره فى هذه الصورة ؟
فهو مهيمن على البحار والمحيطات والأنهار والآبار يعبها عباً ولا يرتوى .. فيعمد إلى عصارات الكائنات حية وميتة يمتصها ... ولايرتوى فيعرج على آمالنا وأحلامنا وطموحاتنا ولا يرتوى ويظل على هذه الوتيرة ولا يرتوى فيالك من سؤال غرّ (عبيط) وللعلم ... العبيط هو اللحم الخالص الصافى النقى من (الشغت والعروق والدهون)
وأعتقد أن العوان قد أطلقوه على الغرير الذى لا خبرة له ولا تجربة لخلوص (نيته) من المكر والخداع والدهاء كخلوص اللحم (العبيط) إذاً فيالك من (عبيط) أيها السؤال فكيف يرتوى الزمن وأمامه الكون بقضه وقضيضه يعب فيه كيف يشاء . وأسأل سؤالاً لا أعرف جوابه وأظن أن أحداً لن يصل إلى معرفته مثلى هو :
ماذا يحدث إذا (ارتوى) الزمن ؟؟؟؟
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
وضفاير حزنى المحلوله
* الحزن حزنان :
1 ـ منظم
2 ـ أشعث
فالحزن المنظم كالضفائر حين انجدالها وتداخل شعرها فى نظام ، فهى تريح الناظر إليها بتناسقها وانتظامها وهذا الحزن يعد خيطاً مهماً فى نسيج الحياة فهو يعطى الفرح مذاقاً خاصاً ... فى نتصور فرحان صرفاً مادام على أرض الأتراح أعنى الدنيا وسعيد الحظ من خالجه هذا الحزن فهو كالأفاويه والتوابل التى تجعل غيرها من الطعام سائغاً وهى (كوبح) أو (فرامل) الأفراح الطاغية وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : "كثرة الضحك تميت القلب"
والضحك المبالغ فيه أو الذى يفلت زمامه من أيدينا تدمع منه الأعين ونتوجس من قائلين : "اللهم اجعله خيراً"
وهذا يقوم الحزن ذو (الضفائر) بالتوازن فتتزن النفس وتعيش فرحها وبشرها وسعادتها عيشاًًًً وسطاً لا يجنح إلى بهجة هوجاء أو ضحك يميت القلب ولا يتهاوى فى مهاوى الأحزان القاتلة .
فطوبى لك أيها الحزن (الضفائرى)
أما الحزن الذى (حلت ضفائره) فأمسى شعره أشعث مهوشاً أو كما قال عليه السلام : "ثائر الشعر كأنه شيطان" لمن رآه لا يعنى بشعره ولا يكرمه ، فهو الحزن المقبض المنفر الذى يشوه النفس ويقتل فيها إقبالها على الحياة بما يجلبه من تنغيص . وهذا ما أرادته الشاعرة بقولها :
"وضفاير حزنى المحلولة"
وحل الضفائر لمّا يزل معهوداً فى المناحات خصوصاً فى الوجه القبلى حيث تفك النائحة أو الثكلى ضفائرها فتمسى (كالغولة) ثم تلطخ وجهها ورأسها بالطين أو (بالنيلة) الزرقاء وتحجل على قدم واحدة وهى تصرخ وتولول وتفرغ ما فى جعبتها من (عديد) .
هكذا صورة الحزن الأشعث أغاثنا الله منه وأدام علينا نعمة الحزن ذى الضفائر المنتظمة المنسقة ... آمين .... أمين .
بتطارد أحاسيسى
وأنا لسه ف دوامتى ؟
الذى تدور به الدوامة فى أمس الحاجة إلى سلامة شعورة وأحاسيسه ليعمل ذهنه فى الفكاك من براثنها .
نعم ... هو فى أول الأمر قد يفقد شعوره ويرتبك لكنه يثوب إلى رشده ويدفعه حب الحياة إلى إعمال فكره ليبحث عن طريقة للنجاة .
ويغيب عنه كل شىء ويغيب هو عن كل شىء إلا عن الاحتفاظ بسلامة ذهنه وشعوره فهذا سبيله إلى الخروج من هذا الحصار المائى ولا سبيل سواه .
أفى هذه اللحظة الحرجة الخطرة ... بدلاً من أن تساعدنى وتغيثنى .. تطارد أحاسيسى وتنفرها وتستفزها وتدفعها للهرب وأنا فى حاجة لذرة من تماسكها واتزانها ؟
فدعنى الآن حتى أنجو من كربتى ثم طاردها كيف تشاء .
من خوفى الجارف
اللى مدعوك ف كتافى
الدعك لغة :
دعك الجلد دلكه ، دعك الشىء فى التراب مرغه ، دعكه بالقول أوجعه به ، وتداعك القوم اشتدت الخصومة بينهم ، المدعك والمداعك الخصم الألد .
ولنأخذ (الدلك) فنحن ندلك الجلد بالكريم حتى ننفذه من مساماته . والعوام يقولون : فلان (مدعوك) بكذا يعنون أنه (ملوث) بقذر ويقولون : حاسيبك تتدعك فى كذا يعنون تورطه وتركه يلاقى من هذا الأمر (المدعوك) فيه ما يلاقى .
وهذا خوف (مدعوك) هو (مدعوك) لا (داعك) أى أن الخوف بمثابة مادة (تدليكية) تدعك وتدعك حتى تتشربها الأكتاف ... ولماذا الأكتاف ؟
لماذا لم يكن القلب ... مثلاً ؟ فهو مستقر الخوف ومستودعه .
ويحضرنى بيت للبحترى يصف فيه طعنته المميته فى قلب ذئب قتله أذكره كما يخالجنى الآن وقد لا يكون مطابقاً لما قاله والمهم شاهدى
وأوجرته أخرى فأضللت نصلها
                            بحيث يكون الحقد والخوف والرعب
فهو قد طعن الذئب طعنه برمحه ثم ثناها فى قلبه حيث يستقر (الرعب) وهو الشاهد . لكن الشاعرة تستبدل الأكتاف بالقلب ... لماذا ؟
1 ـ لأن الأكتاف التى تتشرب الخوف (المدعوك) فيها حين يزلزلها ... فالبنيان كله يتزلزل فالخوف يثقل القدمين فما ظنكم بضغطه على الأكتاف الضاغطة على الجسم كله ؟ فهذا الضغط يدق الأقدام فى الأرض كالمسامير .
2 ـ الأكتاف متصلة بظهر الإنسان وبأعلا صدره فهى كالجدار الحامل ثقل البناء فإذا دعكت بالخوف فما الحال ؟
3 ـ الأكتاف موضع الأحمال فإذا زلزل الحامل فكيف يستقر المحمول ؟
4 ـ العاتق ، الظهر حين يقال (أخذ أو حمل على عاتقه) أو على ظهره كذا فللأكتاف النصيب الأوفى من هذا الأخذ أو الحمل ، والعوام يقولون : (كتفى دا زاد وكتفى دا ميه) كناية عن إكرام الضيف فكيف يستقر قوت أو رى على بناء مخلخل مزلزل ؟
5 ـ الكتف مناط التعاون ، يقولون : (يالا كتفى فى كتفك نرفع الحاجة ديه) فكيف يتم تعاون والمناط مدعوك فيه الخوف ؟
و .... كثير هو الكلام عن هذه الصورة الفريدة . ولكن هناك صوراً تنتظر دورها فما (بصحش) إغضابها أو بالعامية (نزعلها) .
والعواطف مادة إيدها
فى دهاليز الخداع
الدهليز ويجمع على دهاليز هو المسلك الطويل الضيق ، وأبناء الدهاليز هم الأطفال الذين يُلتقطون من الشوارع .
وغالباً ما تكون الدهاليز مظلمة رطبة .
والعواطف هى صفات ثابتة فى النفس البشرية ، ويجب أن تضاف فيقال عاطفة الأمومة ، عاطفة الأبوة ، عاطفة الحب ، عاطفة الكره ... وهكذا .
ونحن نخطىء حين نجردها من الإضافة .
والشاعرة تجسد عواطفها حين تجعل لها أيادى تمد ... تمد فى .. دهاليز الخداع .
وما معنى هذا ؟
معناه أن أيادى العواطف تمتد فى هذه الدهاليز لتلتقط الصفات المنبوذة
(المكر ، اللؤم ، الكذب ، النفاق ، المداهنة ، و ... و ... و ...)
كما يلتقط الناس (أطفال الدهاليز) وهم المشردون وأبناء (الحرام)
فماذا تضم (دهاليز الخداع) سوى هذه الصفات المنبوذة ؟
ولكن لماذا تلتقط أيدى العواطف هذه القاذورات ؟
لأنها لم تعد عواطف حب وود ورحمة .. وتحولت إلى عواطف بغض وانتقام فهى تمد أيديها فى دهاليز الخداع لتتزود بزاد خبيث يقوى طاقاتها الخبيثة لتزداد خبثاً وسوءاً .
وتخيلوا مسلكاً شديد الضيق مظلماً رطباً تفوح منه رائحة تغثى وتقزز وهو مكدس بآلاف الخبائث تتهاوى عليها أيادٍ كتهاوى الغربان والحدأ على الجيف المنتنة ، تخيلوا هذه الصورة البشعة لتدركوا فظاعة ما صارت إليه العواطف التى كانت عواطف حب فآضت عواطف كراهية مقيتة .
* شق الصبح جناح الضلمة وقام
وغسل وشه بضى النور
خد من حضن الشمس العافية
وركب فرسه
لف شوارع عرقه
الظلام عقاب هائل عملاق يرخى جناحه على الصباح الذى صحا من نومه وأزاح ريش هذا الجناح الجبار وانسل من بينه ... حيث غدير النور فغسل وجهه .. ثم تزود من حضن الشمس ضوءاً ودفئاً وعافية ليبدأ رحلة عمله اليومية .
وبعد أن تزود امتطى فرسه متفقداً مواطن كفاحه ونضاله .
فلننظر كيف صاغت شاعرتنا هذا المعنى ؟
الشق من معطيات الصبح لأنه يشق الظلام بل الشق من أسماء الصبح وشق الصبح طلع وشق الصبح جناح الضلمه أى فرق ريش الجناح وأحدث فيه فرجة انسل منها فالتعبير (الشقى تعبير موفق وفى كلمة (وقام دون ذكر النوم تعنى هذا وأكثر فهى تعنى النهوض النشط ونبذ الكسل وتعنى التمهيد للعمل ، وتعنى التعود على القيام يومياً فالفعل الماضى (شق / قام ) لا يعنى انقضاء الحدث دائماً كما علمونا وإلا لكان معنى قوله تعالى :
* (كنتم) خير أمة أخرجت للناس "
انقضاء الخيرية ، وهذا لم يحدث فقد (كنا) ومازلنا على الرغم من ضعفنت وقلة حيلتنا ونصر الله آتٍ لا ريب فيه .
والصبح بقيامه من النوم وغسل وجهه وتزوده وركوبه فرسه وتفقده (شوارع عرقه) مجسد فى صورة عامل نشط موفور العافية محب للسعى والضرب فى الأرض ابتغاء الرزق الحلال .
وقد وفقت الشاعرة فى انتقاء المفردات الدالة الأمينة على حمل المعانى .
وفى (شوارع عرقخ) كناية لطيفة عن السعى والجد وأخذ العافية من حضن الشمس يجعله مستودعاً لما يقوى ويحفز ويدفع إلى الجهاد . فأى زاد كالعافية فهى مطلب الناس جميعاً إذن فهذا الصباح (عفى) و(جدع) .
* صوت الدموع مقهور
لست أنظر ـ هنا ـ إلى ما يسمى (تراسل الحواس) أى جعل المشموم ملموساً ، والمذوق مسموعاً ، والمسموع مشموماً وهكذا .
لست أنظر هذا التراسل فهو موجود ـ هنا ـ وموجود (هناك) فطاغور يقول :
السكون المشمس
وعلى الجارم يقول : النبرة السمراء
وأنا أقول :
الصوت النعناعى
و ... و ... و ....
ولكنى أنظر إلى (تجسيد) الدمع فى صورة إنسان مقهور ، ولا أعبأ بتجسيده عن طريق (الصوت) وحده . فليس الصوت مقصوراً على الإنسان دون المخلوقات الحية وغير الحية .. ولكن (القهر) صفة لا تقع إلا على الإنسان ولا يحس بها غيره . قلا يقال :
قهرت كلبى على فعل كذا مثلاً ... فلا قهر هنا لأن الكلب لا يملك (إرادة) والقهر يستهدف الإرادة ليلغيها ... والمقهور لا يستطيع إعمال إرادته إلا حين يثور فالدموع مجسدة (بالقهر) لا بمجرد الصوت ومن هنا كان لها (صوت) كان لها بعد تجسدها (بالقهر) فالقهر صفة (إنسانية) لايتصف بها سوى الإنسان ، وقهر الصوت ناجم من كون الدموع إنساناً مقهوراً على الصمت أو على خفض صوته أو على التلفظ بما يمليه القاهر .
* لحظة ما خطواتى بتنهج
شريانى بيهرب منه الدم
ويحل محله الخوف
اللهاث هنا صادر من الخطوات لا من الصدر ولا حتى من القدمين ، وقد يقال المقصود بالخطوات ـ هنا ـ القدمان من باب التعبير بالسبب عن المسبب ... جميل ولكن لماذا الجمود على مصطلح ما وإعماله فى كل موقف ؟
ولماذا لا يصدر اللهاث من الخطوات مباشرة دون اللف والدوران ... وأنا أكاد أقول :
الخطوات لا تلهث وإنما هى اللهاث نفسه وهنا تكون (الأقدام) هى اللاهثة لا من باب التعبير بالسبب عن المسبب ولكن لأن للخطى صوتاً يحدثه ارتطام الأقدام بالأرض ، هذا الصوت هو اللهث أو اللهاث ، ولكنى أعدل عما كنت أقوله وأعامل (النهج أو النهجان) على أنه ناجم من الخطوات نفسها .. وللعلم ... النهج لغة فصيحة نقول : نهج الرجل : انبهر وتتابع نفسه وأخذ يلهث فالخطوات تنهج من سرعة الجرى خوفاً فيكون للخائف (لهاث شمولى) يغطيه فأنفاس صدره تتلاحق فى لهاث خطواته كذلك ... ويمكننا أن نقول :
من شدة الخوف سقط لهاثه فى قدميه كما نقول سقط قلبه ... المهم فى هذه اللحظة (اللاهثة) يهرب الدم من الشرايين ويحل محله الخوف ، فما ظنكم بمن (حشو) عروقه خوف ؟ ونلاحظ (الخاء ، الحاء ، الهاء) وهى من الأحرف (الحلقية) التى أعدها ـ هنا ـ (معادلاً) عن الصدور (الجوانى) لاسيما فى تتابع حاءسن فخاء فى :
ويحل محله الخوف
وفى (بتنهج) نسمع صوت (النهج):
هج هج هج
فيالك من صورة .
* الصمت بيحضن
فى زوايا الأوضه
همهمه محصوره
فى ليل كمشان
كمش كمشاً الناقة : شد ضرعها بالصرار لئلا يرضعها ولدها .. والصرار خيط يشد به خلف الناقة (ضرعها) حتى لا يرضعها ولدها .
وتكمش الجلد ومحوه تقبض وتقلص وانكمش الثوب بعد غسله انقبض وقلص .
والكمشان (بالعامية) هو المنزوى المتداخل فى بعضه أو المتجمع كأحدب ابن الرومى :
فكأنما صفعت قفاه مرة     وأحس ثانية لها فتجمعا
الصمت يغلف زوايا الغرفة ويحتضن همهمة محاصرة فى ليل متقبض متقلص ، والهمهمة صوت غير مفهوم وهى ـ فى أحضان صمت .
والصورة تصور سطوة الصمت وجبروته فقد جرت العادة ـ كما نقرأ ـ أن الصمت يكف الكلام لا سيما الكلام الحماسى أو الثورة يكفه قهراً .
لكن صمتناً هذا لا يكتفى بكبت الكلام الواضح المبين فيعدو على (الهمهمة) ويحاصرها فى الزوايا الضيقة السابحة فى ظلمة ليل (كمشان) وكأن الصمت القاهر يلجم الهمهمة والزوايا والليل المنكمش .
فأى صمت هذا ؟
وكلمة (بيحضن) لا تعنى العناق والاحتضان فليس لهذا مجال هنا . وإنما هى سخرية من باب (المشاكلة) كقوله تعالى :
فبشرهم بعذاب أليم
والعذاب لا يبشر به وإنما ينذر ويحذر منه ولكن لأن المؤمنين (يبشرون بالجنة) فسبحانه يسخر من الكافرين بهذه (البشرى) والمشاكلة لون بديعى تعريفه :
ذكرك الشىء بلفظ\ الشىء لوقوعه فى صحبته وللبديعيين بيتان مشهوران عن المشاكلة هما :
أصحابنا قصدوا الصبوح ببكرةٍ
وأتى رسولهمو إلىّ خصيصا
قالوا لقترح شيئاً نُجد لك طبخه
قلت اطبخوا لى (جبنة وقميصا)
والجبنة والقميص ليس مما يطبخ ولكنهما جاءا فى مجال (طبيخى) فأخذا لفظه .
والعوام يستخدمون المشاكلة (بالفطرة) فهذا ولد عاطل يقول لأمه :
ـ يا اما جوزينى
فتسخر منه قائلة :
ـ اتنيل (اتجوز) لك شغلانه الأول .
فالاحتضان هنا هو فى الحقيقة ضغط أو (فحص) ذكر بلفظ الاحتضان لأن الصمت عادة (يخيم) على مكان ما يكون كالخيمة أو ماشابه هذا التعبير الذى يحمل روح الاحتضان كما تنضم الخيمة أو تضم من فيها ومن هنا جاءت (بيحضن) من باب المشاكلة .
* مطحونة ليه المصاعب
متقيده بالملامح ؟
قد يقول قائل :
المنطق يقول :
مطحونة ليه الملامح
متقيده بالمصاعب
فالملامح هى التى تطحن لا المصاعب
والمصاعب هى التى تكون قيداً لا الملامح .
هذا معقول وماكان يعجز الشاعرة أن تقوله ... ولكن
حين تطحن المصاعب طحناً دقيقاً تصير دروراً (بودرة) تُذر على الملامح فيتخلل نسيجها ومساماتها فيسكنها بلا مغادرة فهى له بمثابة القيد وفى هذا تعبير عن لصوق هذا (الطحين المصاعبى) بالملامح لصوق القيود بالمعاصم .
وبذلك يكون هذا التعبير الذى ظُن (مقلوباً) أبلغ منه (معدولاً) ... ولاّ إيه ؟
* فلتونى م العيون
غربلونى م الكلام
فللتونى = فاعلاتن
ملعيون = فاعلان
غربلونى = فاعلاتن
ملكلام = فاعلان
(الفصل التفعيلى) ـ هنا ـ واجب الوجوب .. لماذا ؟ لأن الشاعرة (محاصرة) محاصرة مريرة من العيون ومن الكلام .
فالعيون تقتحمها متطفلة عليها فى قحة جريئة والكلام الذى لا تريد سماعه يصك مسمعيها عنوة فلهذا تصرخ مستنجدة :
فلتونى وتكررها دون ذكر العيون حتى تثير انتباه من تستغيث بهم حتى إذا ما جاءوها هتفت م العيون .
وكذلك تصنع (بالغربلة)
وفى (فلتونى) إشعار بشدة المحاصرة من العيون وضراوتها ... فهى تتوق إلى الانفلات وكأن العيون حلقةن تضيق وتضيق عليها حتى أوشكت على الانظباق . فهى تجأر ب ـــ (فلتونى) شأن الغريق المحاصر بموج كالجبال يتشوف إلى طوق نجاة يفلته من براثن الغرق .
أما (غربلونى) فتعنى أن الكلام قد بلغ حده من اللزوجة والالتصاق بها وكأنه الغبار المثار يكسوها فتهتف :
غربلونى حتى لا يتبقى فى الغربال سواى بعد أن يسقط هذا الغبار من عيون الغربال إذن فالانفلات والغربلة فى هذا السياق (الفصلى) صورة شعرية فذة .
* تتبحتر منى الكلمة
الكثير يظن أن (بحتر) العامية محرفة عن (بعثر) الفصيحة وهذا خطأ وإن كان المعنى فيهما واحد . فالبحترة والبعثرة تعنيان التبديد والتفريق .
لكن (بحتر) محرفة عن (بحثر) العربية بجعل (الثاء تاءاً) كعادة العوام فهم يقولون :
(تلاتة ، تبت ، التلات ، تلم ، توم ، بدلاً من ثلاثة ، ثبت ، ثلاثين ، الثلاثاء ، ثلم ، ثوم ، و ... و ... و ... ) فغالباً مايقلبون (الثاء تاءا) ومن هنا تكون (البحترة) من (البحثرة) لا من (البعثرة) فمن (البعثرة) يقولون (البعترة) كعادتهم فى القلب ، المهم ـ بعد هذه المعلومة ـ كيف تتبحثر أو تتبحتر أو تتبعثر أو تتبعتر .. الكلمة ؟ فهى مما يُسمع لا مما يُرى ويلمس حتى يجوز تبددها وتفرقها ... أهى الملفوظة أم المكتوبة ؟ لننظر :
كلّمه تكليماً وكلاماً : حدّثه
كالمه مكالمة : ناطقه وجاوبه
فالكلام هو "الملفوظ" أما المسجل على الورق فهو (كتابة) لا كلام ونطلق عليه كلاماً مجازاً أو لأن قراءته ترده إلى أصله .
والشاعرة تريد أن تتكلم بعد أن رتبت أفكارها ونظمت ما ستقوله فى خيط المنطق . لكنها ما ان تفتح فاها حتى تنفرط الكلمات من الخيط كانفراط الخرز من خيط ينتظمه فتتبعثر الكلمات كتبعثر الخرز أو حبات العقد ... وتضيع وتتبدد .
وتبعثر أو تبحثر أو تبحتر الكلمة كناية لطيفة عن تبددها وضياعها الناجم عن حيرة أو شرود .
* لونت قلبى .. بالقمر
لا باللون الأحمر أو الأخضر أو أى لون مما تعهد من ألوان وأرجوكم أرجوكم أرجوكم لا تنشغلوا بتخيل القمر ولونه فالشاعرة لا تقصد (لون) القمر فهى لم تلون قلبها كلون القمر ... ولكن (بالقمر) نفسه فلون قلبها (قمرى) ...
والقمر ـ هنا ـ (لون) يجب أن يظل دون تحديد ففى تحديده قضاء على هذا الجمال المنبعث من هذا التعبير :
لونت قلبى بالقمر
ولن أسترسل فى قلبى :
اللون القمرى يوحى بالتورية والسمو والشفافية ، والغموض و ... و .. و ... مما يوحى يه القمر .
ولكنى أكتفى بما اكتفت به الشاعرة وهو :
لونت قلبى بالقمر
حتى لاتفقد هذه الصورة الفريدة (قمريتها) .
* لما لقيت الشرخ ف حضنى
أنا حنيت
لما اتشعبط قلبى فى سيل الدمع ...
أنا مليت
لما الحلم اتسكع ف اللسعة البردانة
صحيت
الشرخ ... شرخ شرخاً وشروخاً ناب البعير (شق البضعة أو لثته) فالشرخ هو (الشق) ولكن إيقاع الشرخ أقوى وأوقع وأفعل (فالشين حرف نقش والراء حرف تكرير والخاء حرف حلقى) شررررخ ..
فكيف تكون الحال إذا كان فى (الحضن) حيث الدفء والحنو وانتشاق شذا الحبيب ؟ هذا الصدع فى هذا الموطن المرهف الرقيق ما سببه ؟ سببه فيمت أظن ... (الهجر) فهو حضن مهجور لا يعمره من يعنى به حتى لا يصدعه صادع ولا يشرخه شارخ شأن كل مهجور ...
وبدهى أن تحن ذات الحضن المهجور ... تحن لحبيبها يعمر حضنها ويرأب صدعه ويعالج شرخه .
وما بال هذا القلب متعلقاً متشبثاً بأذيال هذا السيل الدمعى ؟ ... هو كذلك لإدمانه الحزن فهو به كلف وصب ، متيم بمعطاء من الدمع ، ممسك بأهدابه متسلق سيله ، غارس كلاليبه فى لحمه ولبه . فيكون المردود مللا يعترى صاحبته لجموده على هذا الحال .
أما الحلم الذى لايظل على تسلسل أحداثه فيمتع ويغرى بمزيد من النوم حتى تكتمل الحلقات ، هذا المتسكع فى لسعة البرد ... لا بل فى اللسعة التى أصابها البرد فصارت لسعة برد (مركبة) فهذا الحلم تجاوز حدوده (الحلمية) إلى الحدود البشرية حين تسكع لا يلوى على شىء فى اللسعة البردانة ففقد (حلميته) فكان من المنطقى أن تصحو صاحبته .
وأنا أرى عبر هذه الصور عاشقة مهجورة فهى تبكى إلى درجة الملل ولا تهدأ بحلم يخفف عنها بعض ما تعانى من وجع الهجران ، فهو حلم متسكع فى لسعة بردها البردانة بدلاً من ضمها إليه فى أحضان أحداثه الدافئة المنيمة .. فكان أن انتفضت مذعورة ... لا تجد عاشقها الذى تلجأ إلى أحضانه المطمئنة ، وهاهو حضنها المهجور مثلها قد أصيب بشرخ من طول خلائه من مالئه ... فيالك من معذبة .. حنين وملل وصحو عقيم وحضن (مشروخ) فلك الله .
* وبقلق الرعشة الواقفة
بتستنى اللحظة اللى ما بتعدى
وعيون السقف
بتبحلق فيه
نلاحظ قلقاً عروضياً فى السطر الثانى وكم يكون جميلاً لو جاء هذا السطرهكذا :
تستنى اللحظة
ففى هذا بعث للتساؤل
أية لحظة ؟ ... وسوف يدرك القارىء أن هذه اللحظة لن تجىء أبداً أو أنها لن تنتهى أبداً فالإبهام الشعرى مشوق ما لم يستحل غموضاً منغلقاً .
هذا قلق والقلق لا يجعل صاحبه القلِق يستقر على حال ولا على وضع .. فهو يتحرك فى عصبية ملحوظة ويروح ويجىء دون هدف فقدماه تحملانه إلى حيث تريدان هما لا إلى حيث يريد هو .
إذن فالقلق (حركة عشوائية) فما ظنكم إذا اعترت شيئاً متحركاً بطبعه ، بل هو متموج الحركات تموجاً شديداً ... ؟ قلق فى ارتعاش ... أية حركات ستشاهد ؟ لا لن نشاهد إلا جموداً وتحجراً ... لا تتسرعوا فى حكمكم قائلين :
قلق + رعشة + ذبذبات واهتزازات وتموجات مذهلة بحيث تصل لفرط سرعتها إلى (الضد) فنراها جامدة كالمروحة الكهربائية لشدة دوران ريشاتها تبدو كأنها لا تدور .
لا . لا . فأنا لا أعنى هذا فأمامنا رعشة قلقة واقفة كيف ؟ لا كيف فهكذا صورت الشاعرة هذا المشهد المحير .. نعم هو محير مثل :
وأخفت أهل الشرك حتى انها
لتخافك النطف التى لم تُخلق
ومثل :
وضاقت الأرض حتى أن هاربهم
إذا رأى غير شىء ظنه رجلا
فكيف تخاف نطف لم تخلق بعد ؟
وهل غير الشىء شىء حتى يُظن أنه رجل ؟
وهل يعقل أن تصاب الرعشة بقلق وتكون مع ذلك واقفة ؟
وهل ... لا هل فنحن نعايش شعراً لا علماً وإلا فجئنى بحصان (مكر مفر مقبل مدبر معاً)!
ولمحبى (التعليل) أقول :
الشاعرة تصور (جموداً) مهيمناً مسيطراً فعيون السقف جاحظة لا يطرف لها جفن ولا هدب واللحظة لا تمر ولا تعبر ... وأكثر من هذا ... نجد الرعشة القلقة واقفة فالجمود المهيمن المسيطر قد ألجم بل حجّر كل شىء ... فإذا كان قد جمد (الزمن) فأزقف اللحظة أن تمر أفيعجز عن إلجامه رعشة قلقة ... ؟
إن الموقف الشعرى يعايش (جملة) لا (تفصيلاً) فالتفصيل من شأن العلم لا الشعر ، وإن كان الناقد (يفكك ويفتت) النص ليسلط الضوء على عناصره عنصراً عنصراً فما هذه (معايشة) وإنما هى (إضاءة) تعين كلا من المبدع والمتلقى على فهم أسرار النص فيستفيد المبدع ما يعينه على إجادة ما يجد من نصوص ويستفيد المتلقى وعياً بالنص أكثر فمثلاً :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
حين أعرض له بدراسة (تفعيلية) هكذا :
قفا نب = فعولن
ك من ذكرى = مفاعيلن
حبيبن = فعولن
ومنزلى = مفاعلن
نرى (قفا نبك من ذكرى) توزن بتفعيلتين متصلتين هما (فعولن ومفاعيلن) ففعولن أخذت ما يساوى أحرفها وموضع حرسكونيتها ثم (رحلت) ما تبقى فيكون من نصيب مفاعيلن التالية لها ، فنصيب (فعولن)
1  2  3  4  5
ق  ف  ا  ن  ب
ف  ع  و  ل  ن
 /    /   /  o  
ونصيب (مفاعيلن)
1  2  3  4  5  6  7
ك  م  ن  ذ  ك  ر  ى
م  ف  ا  ع  ى  ل  ن
/   /   o  /  o   /  o
وتعليل هذا (الوصل التفعيلى) هو :
الذى يرجو صاحبيه أن يقفا ليشاركاه البكاء من ذكرى حبيبه ومنزله لا يرجوهما ذرف دمعة أو دمعتين وإنما يرجوهما مشاركته بكاءاً (متصلاً) .
ولذلك جاء الوصل التفعيلى .
أما الحبيب وهو (نجم أو بطل) الحكاية وكذلك منزله فلكلٍ إطاره التفعيلى الخاص تماماً كما يخص المخرج السينمائى ما يريد أن يبثه فى أذهان المشاهدين (بلقطة) أو (كادر) خاص .. وهذا ما صنعه امرؤ القيس فخص (الحبيب) بتفعيلة (منفصلة) على قدره هكذا :
حبيبن = فعولن
وكذلك
ومنزلى = مفاعلن
بالله عليكم أكان امرؤ القيس الذى بيننا وبينه أكثر من ألف عام يدرك (الوصل والفصل التنفعيلى) ؟ أم هو عطاء الله سبحانه تجلى به علينا وهو عطاء غير مسبوق وحتى لا نطيل أهتف :
دعوا الشعراء يبالغوا ما شاءت لهم المبالغة فلا تعذب المبالغة إلا فى الشعر ودعونا ـ نحن النقاد ـ معابر وجسوراً تصلكم بأسرار صناعتهم ومكامن عبقرياتهم و .... (بس)
* راشق لى فى الطريق صوته
رشقه رشقاً بالسهم رماه ، رشقه ببصره أحد النظر إليه ، رشقه بلسانه طعن عليه ومنه القول المأثور :
(إياك ورشقات اللسان)
فالمادة تعنى (الغرز ، النفوذ ، الغرس ، و . و . و . )
وعندنا طريق به عائق يعوق سير شاعرتنا ، هذا العائق أشد وأقسى من الحفر و(المطبات) والأسلاك الشائكة. إنه (لسان) حاد مشحوذ مدبب يقطر ما لا تقطره أفعى . هو مغروس مرشوق مركوز فى أرض الشارع لا يسمح لخطوة قدم أن تتجاوزه .
والشاعرة تعنى اعتراض صاحب هذا الصوت طريقها فيكون الصوت معادلاً لصاحبه .. وربما يكون صاحبه غائباً ... ويكون هذا الشارع قد شهد مماشاه الشاعرة مرافقها وسمع تحاورهما . الذى تحول إلى شجار أسمعها فيه مر الكلم فكلما سارت فى هذا الطريق تذكرت ما كان وتجسد لها صوته عائقاً مرشوقاً فتبتر سيرها وتولى الشارع بعائقه المرشوق ظهرها .
إذن فالشاعرة قد أحسنت الاختيار حين قالت (راشق) فالرشق كما تقول اللغة غير مقصود على السهم وحده ولا على ما يشاكله كالرمح والحربة وإنما يتناول العين واللسان .
وفى (لى) خصوصية فهذا الراشق صوته يرشقه (لى) خاصة ... فهذا راشق راصد متعمد لا يستهدف إلا إياى .
فيالك من عائق .
* أجوع حضنك يدفينى
ماذا ؟
المنظق يقول حضنك يشبعنى .
المنطق ؟
شعر ومنطق ؟
إن الشعر (منطقه) الخاص هو منطق (تأثيرى) لا (تعليلى) .
فما (الجوع) ـ هنا ـ ما نعهد من جوع .
وليس (الدفء) ـ هنا ـ ما نعرف من دفء
فالجوع (للحضن) غير الجوع (للخبز) ، والتماس (الدفء) منه غير التماسه من (النار) .
ولنقدم لكم (معلومة) نقدية تنفعكم بمشيئة الله تعالى هى (انحراف المسار) وهو مصطلح نقدى وضعناه لمثل هذه الصورة وعلى الناقد أن يضع ما يشاء من مصطلخات إذا لم يجد ...
ما انحراف المسار ؟
هو ما صنعته الشاعرة فحين قالت :
أجوع حضنك ... فإن (مسار) الصورة سيقضى إلى ... (يشبعنى) كما يقول المنطق .. يا (بتوع المنطق) .
ولكن هذا (المسار) قد (انحرف) من الشبع إلى الدفء ونعم الانحراف شريطة أن يُثرى المعنى ... كما جاء عند شاعرتنا .
وأصل اكتشافى ووضعى هذا المصطلح أنى كنت أحاضر تلاميذى من أعضاء (نادى الشعر) بقصر ثقافة (الحرية) بالاسكندرية كعادتى كل أحد ـ من 1963 م وحتى الآن ـ وكان موضوع المحاضرة (منطق الشعر) مطبقاً على أبيات لأم عربية تعاتب ولدها العاق بقولها :
ربيته وهو مثل الفرخ أعظمه
                        أم الطعام ترى فى جلده زغبا
حتى إذا آض كالفُحال شذبه
                         أباره ونفى عن متنه الكربا
أنشأ يمزق أثوابى يؤدبنى
                       أبعد شيبى يبغى عندى الأدبا ؟
قالت له عرسه يوماً لتسمعنى
                        مهلاً فإن لنا فى أمنا أربا
ولو رأتنى فى نار مسعرة
                        ثم استطاعت لزادت فوقها حطبا

توقفت عند (كالفحال) وهو ذكر النخل وتساءلت الفرخ الزغيب ذو الريش الأصفر الخفيف ينمو فيصير ... طائراً .... لا (نخلة) .
أكانت هذه الأم الشاعرة ممن (يتعاطى) مخدرات ؟
فما بال عقلها يصيّر الفرخ نخلة ؟ ثم ... جاء الفرج من صاحب الفرج عز وجل ....
إن لكل نص (مساراً) ... وهذا فرخ يصير منطقياً طائراً ... ولكن (مسار) تطوره ونموه ـ هنا ـ قد انحرف من طائر إلى فُحال ... فلماذا ؟
يا عظمة الله .... يالك من شاعرة ... فصيرورة الفرخ طائراً كم من الزمن تستغرق ؟ أتستغرق صيرورته (فحالا) ؟ إن غارس النخلة قد يموت قبل أن يذوق من بلحها بلحه ... فالشاعرة بانحرافها بهذا المسار تريد أن تشعرنا بطول الزمن الذى ربت فيه ولدها العاق من فرخ إلى نخلة . هذا الزمن الطويل الذى أنهكها وأماتها ألف مرة وهى تقوم على تربيته هذا .
ما صنعته شاعرتنا إيمان يوسف بقولها :
أجوع حضنك يدفينى
فالجوع ـ هنا ـ للدفء وما كنا لنصل إلى هذه الحقيقة دون (انحراف المسار) فطوبى له من انحراف يعدل ألف (استقامة) .
* احتوينى ....
اشعل حنينك من حنينى
حس بيه
خد بريقك من سنينى
مد إيدك ويا إيدى
إشترينى
نبدأ هذا المقطع بنهايته : إشترينى
فهذه مفردة قد يقولها (ذكر) ... ولكنها ـ هنا ـ وخلال هذا السياق تنبض بالأنوثة ... سنرى ولنصعد إلى الاستهلال :
احتوينى اشعل حنينك من حنينى
احتوينى اشعل حنينك = فاعلاتن فاعلاتن
فهذا (الوصل التفعيلى) مصور للالتحام الحميمى للاحتواء ... فكما التحم الحبيبان التحمت (التفعيلتان) .
وتواتر أحرف الحلق فى كل سطر شعرى دليل على ما يجيش فى أعماق الأنثى من لهفة وحنين وشوق إلى رجلها :
(ء ، ح ، ع ، ح ، ح ،ح ، هـ ، خ ، د ، د ، د ، د)
ونجد الغلبة لحرفى (الهمزة فالحاء) وحين تتجاوران مثل :
إحـ ... توينى نشعر بعمق الصوت وإحداثه (بحة) مستعذبة وإشعال الحنين من الحنين يصور ناراً تتذاوب فى نار ، وفى قولها :
خد بريقك (بريأك) من سنينى
تضحية (أنثوية) فالأنثى تخلع عن عمرها النضارة والبريق وتألق شبابها لتكسو رجلها ببريق مذهب لشحوبه وانطفائه وفى هذا التعبير معنى لا يقف عليه أى واقف هو :
تذاوب الجنسين يسخو برى يتشربه الجسدان فيكسبهما نضرة وإشراقاً والأنثى تضفى على رجلها ـ فى هذا الأمر ـ أكثر مما يضفيه هو عليها .
والعوام يقولون عن شيخ تزوج صبية :
* دى رجّعت شبابه
* دى ردت فيه (الدموية)
* دى (صبتة) و . و. , و .
إذن ففى : "خد بريقك من سنينى" هذا المعنى المكنون .
ونعود للختام :
اشترينى ... فهى ـ هنا ـ ذات نبض أنثوى بحت .
أخذها (كادراً) تفعيلياً على قدرها ولولا أهميتها لما أخذته :
إشترينى = فاعلاتن
ثانياً :
للأنثى مفردات دالة (أنا جاريتك ، أنا خدامتك ، أنت سيدى وتاج راسى ، و . و . و .)
وهذه المفردات ليست من قبيل الإحساس (بالذل ، بالرق ، بالعبودية) ولكنها من قبيل :
كونى له أمةً يكن لك عبداً .
وإنّى (بدهاليز) النساء خبير وقد أجريت حوارات كثيرة جداً مع عدد كبير (منهن) فكانت المحصلة :
* الرغبة فى العودة إلى البيت وترك العمل
* (التستيت) أى كون المرأة (ست بيت) ففى أعماق غالبية النساء صوت يهتف بالرجل : (ستتنى)
* استعذاب الضعف الأنثوى وعشق القوة الذكورية
* كراهية المرأة للرجل المخنث
* بغض النساء للمرأة المسترجلة
* افتقاد الرجل (الحمش)
* طلب الحماية والصون والرعاية
فكل ما ذكرناه ومالم نذكره ـ وهو كثير ـ يعتمل فى نفس المرأة ويدفعها إلى أن تهتف برجلها : اشترينى
لا بمعنى أنها (سلعة) ولكن بمعنى أن يدفع فيها نبض قلبه وذوب كيانه .
ونجد فى هذا المقطع اتكاء الشاعرة على (الفصل التفعيلى)
حس بيه = فاعلاتن
خد بريقك = فاعلاتن
من سنينى = فاعلاتن
مد إيدك = فاعلاتن
ويا إيدى = فاعلاتن
إشترينى = فاعلاتن
ولا نجد وصلاً إلا فى :
احتوينى اشعل حنينك وقد عللناه وهو وصل جاذب شاذ يفاجىء المتلقى بهذا (الفصل) : من حنينى = فاعلاتن
فكل (المفصولات) مهمة :
(طلب الإحساس بها ، أخذ البريق من السنين ، مد اليد مصاحبة للأخرى ... الشراء)
فهذا المقطع أنثوى ... أنثوى ... أنثوى
* وقدرت اقتحمك
واشق الصدر المتحوط بشموخك
أدخل زمنك
أتحدى مسافة عندك
أتهجى تاريخك
وقدرت اقتحمك ...
وانهش كل تلالك وسهولك
أتشعبط فى ضلوعك وأصارع نجمك وخيالك
واسجن سحر عيونى ف قلبك
واقدر أقتحمك
أغتال أفكارك
أرمى ف مشوارك شمسى
وف سما أوطانك
(أبقى) بلبلة بتغنى (أصبح أدق وزناً) وأكون لك سكة مفروشة سلام .
هذا النص ينبض بالأنوثة لا عن طريق بعض مفرداته الأنثوية فحسب ولكن روحه العام ينطق بهذا ، كما سنرى :
هذه أنثى جريئة لا تلف ولا تدور بل تعلن فى صراحة :
وقدرت اقتحمك
وأشق الصدر المتحوط بشموخك
أدخل زمنك
أتحدى مسافة عندك
فالأنثى حين تحب رجلاً عنيداً ذا شموخ وكبرياء فلها موقفان :
1 ـ خنوع واستكانة واستنامة ، لتشبع فيه روح التجبر وطبيعة التسلط ، وهذه الأنثى محبة مغلوبة على أمرها وضعيفة وقد تكون محبة للتعذيب يقع عليها فينشيها (ماشوسية) وهى بهذا متوافقة مع تكوينها النفسى الشاذ ... الشاذ لدينا نحن الأسوياء ، وقليل ماهم ... هنا تلتقى (ماشوسيتها) أو (ساديته) لقاء مصراعى الباب يختلفان اتجاهاً لكنهما متفقان من حيث (البابية) فالباب دون اختلافهما اتجاها لا يُفتح ولا يُغلق ... وهما أيضاً كطرفى المقص لو عملاً فى اتجاه واحد لفقد (مقصيته) .
2 ـ مقابلة العناد بالعناد والكبرياء بالكبرياء كما نرى عند أنثانا الشاعرة فهى تقابل هذا (باقتحام) وبشق الصدر المتحوط بالشموخ وتقطع مسافة عناده وتدخل زمنه (تشغل وقته) وتتهجى تاريخه هى عالمة بهذا التاريخ وتحفظه وتقرؤه بطلاقة ولكنها تتعمد التهجى من باب التلكؤ والإغاظة وهذه سمة أنثوية تفيض (بالدلال والدلع)
وفى (وانهش كل تلالك وسهولك) ... (افتراس) أنثوى فهى لا تترك ما يعلو منه وما يسفل وينبسط دون نهش فهذه طبيعة (المقتحمة) فالاقتحام لا يفكر ولا ينتقى ولا يعد خطة بل يهجم نهاشاً لكل ما يقع تحت عينه وما يصطدم به .
(اتشعبط) فى ضلوعك لا تقولها غير أنثى فهذه معابثة شرسة تبلغ أقصى درجات (العفرتة والشيطنة) . تخيلوا الضلوع ضلعاً ضلعاً وآنا هى متشبثة بها كما كنا نتشبث و (نتشعبط) فى طفولتنا فى (عربة الرش) وهى لا تقتحمه ضلوعاً فحسب بل تقتحم فكره وخياله ونجمه . انظروا ...تلال ، سهول ، خيال ، نجم ... اقتحام (شمولى) يهاجمه أرضاً وتلالاً وسماءاً وخيالاً وتأملوا فى (أقتحمك ، أشق ، أدخل ، أتحدى ، أنهش ، أصارع ، أسجن ، أغتال ، أرمى ، و . و . و .) لتدركوا (نوع) هذه (الأنوثة) فهى أنوثة متنمرة ذات شراسة وافتراس ... ولكن ...
خلال هذه الوحشية تترقرق طبيعة الأنثى العاشقة فهى (تسجن) ماذا ؟ (سحر عيونى فى قلبك) وهى (ترمى فى مشواره) ... (شمسها) لتبعث فيه الدفء والضوء والحياة وهى (تبقى فى سماء أوطانه) ... (بلبلة بتغنى) وتكون له على الرغم من كل هذا الاقتحام والشراسة (سكة) .... (مفروشة سلام)
وهنا أسمع صوت (الأنثى ... الأنثى ... الأنثى) : ماتهونش عليه يا حبيبى .
هى لم تقلها ولكنى أسمعها ... لسانها لم يفه بها ... ولكن هتف بها كل الكيان ... ولاحظوا : (سكة) و (مفروشة) وهل الأنثى إلا (أرض) رجلها و (حرثه) وهى (فرشه) وهو (غطاؤها) .
فإذا لم يكن هذا النص أنثوياً صرفاً فماذا يكون ؟
واسمعوا هذا (التخنث والتكسر والليونة) :
* بصمتك فوق يصمتى
فوق بحورك جنتى
ويا نهرك فرحتى كبرياءك رقتى
لا تنشغلوا بالبحث عن (مفردة أنثوية) هنا .. فلا مفردة ... وأرهفوا السمع وانصتوا جيداً لهذا الإيقاع (اللين المتكسر) :
فاعلاتن فاعلن
فاعلاتن فاعلن
فاعلاتن فاعلن
فاعلاتن فاعلن
دِن ددن دن   دن ددن
وليتكىء كل منكم على (تى) هكذا :
تى تى تى تى بليونة وتخنث تدركوا صحة ما أقول

ياريت تانى
تعيد ترتيبى م الأول
على ذوقك وحسب هواك
وتمنحنى الحياة وياك
لايقول هذا الكلام سوى امرأة فالرجل تمنعه كبرياؤه أن يقول لأنثاه .
شكلينى .. أعيدى تكوبينى وترتيبى و . و . و .
ولا يقول :
(امنحينى) الحياة ... فهو (المنّاح) وهو (المعلم والمربى ومعيد الترتيب) وهو لا يرضى أن يتكون (على ذوقها وحسب هواها) ... أليس كذلك ؟
ونلمس التثنى الأنثوى فى هذا الإيقاع :
* وكأن شىء فيا
بيشدنى ليا
محصورة بين ذاتى
وكأنى مش هيه
وكأننشأ = متفاعلن
فيا = فعلن
بيشددنى = مستفعلن
لييا = فعلن
محصورين = مستفعلن
ذاتى = فالن
وكأننمش = متفاعلن
هييه = فعلن
أنا معكم فى أن هذا الكلام فى إمكان (الذكر) ولكنه لا يقوله بهذا الإيقاع المتكسر .
* أرجوك ياضى الكون
إرقينى بالبسمله
إملانى حنيه
لفلفنى بعبايتك
ودارينى م الحيه
دا الفرح غاب ياما
والتوهه دوامه
والقسوه بتموت
م الحرقه جوا الجوف
وخريف طواه الشوف
حريف ف ليل الخوف
أرجوك يا ضى الكون
جز السنان جزه
هز البدن هزه
دمع اللى فات طاغى
قلبك ما بيلاغى
إفهمنى لو مره
ليه كلمتك مره
حرفك سهام اللوم
والضحكة صوت موهوم
حزنان ومتخاصم
أرجوك ياضى الكون
حصّنى من عينهم
حتى وانا بينهم
خلينى ف حمايتك
إرقينى بالبسمله
إملانى حنيه
بالنسبة للإيقاع نلاحظ أن الشاعرة لاتلجأ كثيراً وبشكل ملحوظ إلى الأوزان الشائعة فى الأزجال فهى لا تكاد تكتب من الأبحر الخليلية المعهودة .
فالأوزان (الزجلية وروح الزجل) تغلب على قصائدها على الرغم من قيامها على (السطر الشعرى) كما نرى فى الشعر الحديث وشعر العامية .
وهذا النص نرى قيامه على :
مستفعلن فعلان
مستفعلن فعلان
مستفعلن فعلان
أى أنها تعتمد على التفعيلة لا على (البحر) المحدد وهنا ملحظ ربما كان فى موضعه هو :
هذا النص به (ثرثرة) لا أعنى (ترهله) بقدر ما أعنى طبيعة فى المرأة حين (تلت وتعجن) و (تعيد وتزيد) ويشفع لها فى هذا النص أنها مرعوبة مما يتهددها :
دارينى م (الحية)
حصنى من عينهم
وأنها تسأله الحماية :
خلينى ف حمايتك
فشأن من فى هذا الموقف أن يرسل الكلام بهذا التدفق وهذه الكثرة والملامح الأنثوية لا تخفى مثل :
أرجوك يا ضى الكون
فكلمة (ضى) شائعة عند النساء
ياضى عينى ... أنا عايشه على ضيك ... عينى من بعدك ما تشوف الضى .
وخلينى ف حمايتك
فلا يطلب الرجل (حمايته) من امرأة
واملانى حنية
تريد أن يفعمها بالحنان والرجل يقول (حنّى) ولا يقول (املينى)
و ... لفلفنى بعبايتك
حصنى من عينهم
حتى وانا بينهم
خلينى ف حمايتك
فأنت وحدك حصنى وحمايتى مهما أكن فى جمع كبير .
* يا دمع ياللى عشقتنى
عاشق خدودى برقتك
* طبطب عليه وهزنى
الرجل لا يذكر الدمع هكذا وقد يخجل من ذكر (الخدود) ـ هنا ـ ولا يذكر العشق فى هذا المجال .
لكن الأنثى والدمع أكاد أقول (وجها عمله) فهى كما يقول العوام بحق :
(فلانة دموعها قريبه)
أما (طبطب علىّ وهزنى فتعبير أنثوى قح فمن منا نحن الرجال الرجال يطلب
(الطبطبة والهز) ؟
* أنا مستنيه الفارس
اللى يفجر حواديتى
ويضم الحرف اسدره
يدفى الحرف التانى
* أنا مستنيه الفارس
اللى يصحى لى آهاتى
حكياتى
ثوراتى
ليلاتى
النشوة يوماتى
أكاد أهتف : (لا تعليق ولكن أمرنا لله (سنعلق : انتظار فارس الأحلام مطلب أنثوى لا جدال وتفجير الحواديت وضم الحرف للصدر ليدفىء الحرف الآخر وإيقاظ الآهات والحكايات والثورات كل ليلة والنشوة اليومية .
أليست كل هذه العبارات إيحاءات (ذوبية)خصوصاً :
(ويصحى لى آهاتى)
و(ليلاتى)
و (النشوة … يوماتى)
أيقول هذا رجل ؟
رجل رجل ؟
* عيونك صدق ألحانى
وتعبيرى وألوانى
وجوه أمانها وخدانى
وحفظانى و (كنانى)
دعكم من كل هذا إلا (كنانى) فهذه المفردة تدور كثيراً على ألسنة النساء .
ف … (كنانى) أى حفظانى فى (كن)
والكن وفاء كل شىء وستره .
فالأم تقول لولدها فى الشتاء :
(استكن) يابنى من البرد
والمرأة تقول لمن يلمسها :
(كن) إيدك جاك قطعها
وكن ـ هنا ـ بمعنى ارفع يدك
وتقول لحبيبها :
خدنى ف (كنك)
ونختتم هذه (الأنوثة) بهذا التدفق الأنثوى المتوالى :
ما تعودتش إنك تنسى
تبعد … تبعد .. تزعل … تقسى
ما تعودتش أبقى لوحدى
اتعودت الود الصافى
المليان حنيه ودافى
اتعودت الكلمة الحلوه
اتعودت ف حبك أيوه
ما اتعودتش أبداً اكابر
حتى لو ساعة باتمرد
أرجع تانى ويا كلامك
ياللى ساقينى من أحلامك
من إخلاصك من أيامك
ياموضح لى ملامح نفسى
انت الكل ف واحد بس
انت النور والدوا والهمس
من خلال هذه (الخببية) المنهمرة مطعمة ببعض المفردات والخالات (الأنثوية) فمن المفردات (أيوه) فى هذا الموضع لا على إطلاقها :
اتعودت ف حبك أيوه
فهى من قبيل (ياللا) …. (بقى)
ماتيجى نزور أمى ياللا
بقى تكسر بخاطرى ؟
أيوه أنا عايزاك
وما إلى ذلك وليست هذه الكلمات أنثوية بحتة فالرجل يقولها … ولكن ليس بهذا الغنج والميوعة المستحية .
ونجد (النكوص) فى :
حتى لو ساعة بتمرد
أرجع تانى ويا كلامك
وهو ـ هنا ـ نكوص أنثوى فأشد ما يجذب المرأة كلام الرجل اللبق الذى (يأكل بعقلها حلاوة) ويجعلها تتراجع عن قرارات الهجر والخصام .
ونرى فى :
يا موضح لى ملامح نفسى
أنها حقاً فى حاجة إلى رجل يعرفها على نفسها ونمسك دلالاً و (دلعاً) ، فى هذا التدفق الخببى الذى حذفت منه واوات العطف تبعد … تعند … تزعل … نفسى
أنا الآن أرى الأنثى تهتز مع كل كلمة من هذه وهى (تطقطق) كأنها تلوك (لبانة) تبعد (طق) تعند (طق) تزعل (طق) نفسى (طق) وترفع رأسها وتخفضه مع كل طقطقة و ……………

إلى لقاء

محجوب موسى