ومضة
مجموعة "مشاعر" ـ من شعر العامية ـ تمثل نمطاً رفيعاً من الآداء الصافى الذى يجمع بين الحس الرومانسى مع نفحة واقعية تعكس روح العصر وتنبض بالمتغيرات الفكرية والفنية والاجتماعية السائدة الآن .
والشاعرة "إيمان يوسف" تملك موهبة التعبير بالصورة والجملة الموحية والإيقاع الدافىء النابض بالأحاسيس ، ومن هنا فإن هذه المجموعة جديرة ولاشك بأن تأخذ طريقها للقارىء لتؤكد قيمة هذه الأديبة السكندرية المتميزة .
دكتور / محمد زكريا عنانى
أستاذ الأدب العربى بجامعة الاسكندرية ـ وأستاذ الأدب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز بجده ـ السعودية ـ ورئيس مجلس إدارة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ـورئيس لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس المحلى بالإسكندرية
*************************************************
قراءة مختصرة فى ديوان (مشاعر)ـ
الشعر هو الاستخدام الفنى للطاقات الحسية والفنية إلى جانب الموسيقى والخيال والمواقف الإنسانية من خلال "كمبيوتر" العقل البشرى من ذكريات الماضى والحاضر .
والقصيدة فى الفصحى والعامية هى قضية تعرض من أعماق الذات فى إطار موسيقى يتضمن الأخيلة والصورة الشعرية .
ورغم اختلاف المذاهب الأدبية ، نجد أن الشعر يحتوى على كب هذه المذاهب ، وأعتقد أنه لايوجد خصوصية فى الأدب شعراً ونثراً ، وحين نكتب تجربة خاصة نجد أن هذه التجربة تنفلت وتصبح صورة من صور المجتمع حتى فى السيرة الذاتية .
ويؤكد هذا أن المبدع هو محصلة تجارب وثقافات ، يأخذ ليعطى ، والأمثلة على ذلك كثيرة .
وعندما ننتقل إلى الوعاء الشعرى نقول أنه الإطار الذى يصب فيه قصيدته ، وهنا يتضح أن الشكل فى بناء القصيدة ليس هو المهم لكن المهم القصيدة ذاتها .
كما يحلو للبعض من النقاد وغيرهم أن يطلقوا على ما تكتبه المرأة من أدب بعض المسميات ، خصوصية المرأة ، الأدب النسائى ، وغير ذلك ، وأستطيع أن أقول أن هذه المسميات فى غير موضعها بالنسبة للمرأة أو الرجل فكثير من الرجال عبروا عن المرأة بصدق ، وكثير من النساء عبروا عن الرجل .
وأمامى مجموعة من الأشعار العامية عنوانها (مشاعر) للشاعرة "إيمان أحمد يوسف" ، والشاعرة إيمان لها نشاط ملحوظ فى المحافل الثقافية فى الاسكندرية وخارج الاسكندرية .
وربما يظن البعض أنها مشاعر خاصة بالشاعرة ، ولكن الحقيقة أنها مشاعر تدور حول صور وقضايا المجتمع الذى نعيشه ، فالحب ركن أساسى فى المجتمع والوطن الكيان الشامخ الذى نعيشه ونحلم بأنه يسود ، وقضايا الإنسان مهما اختلفت من شخص لآخر ، لكنها فى النهاية ، تعبر عن ضمير وأحلام الإنسان فى الواقع وفى الخيال .
إذن نحن أمام مجموعة من القصائد تعبر عن المجتمع الذى تعيشه الشاعرة تناولتها بكثير من النعومة وبإحساس مرهف لذا جاء عنوان الديوان مطابق للمحتوى .
والشاعرة "إيمان أحمد يوسف" اختارت الشكل الحديث لتصب فيه الصورة التى تعبر عن المضمون الذى تريده فهل نجحت ، هذه الإجابة نتركها للمتلقى .
لاشك أن السباحة فى مجال الحداثة لها مخاطرها وإذا حسبنا تجارب رموز شعراء العامية ، بيرم ، حداد ، جاهين ، كانت خطواتهم محسوبة وأكدوا أن الحداثة لا تأتى من فراغ أو من تقليد النماذج الغربية كما فعل معظم شعراء الفصحى ولكنهم خرجوا بالنماذج المعاصرة من خلال التراث المصرى وحكمة الشعب ومأثوراته الشعبية وموسيقى وأوزان الزجل .
والشاعرة "إيمان يوسف" تأثرت فى البداية "بهيصة" تقليد دعاة التحديث ، والبنيوية والتجريب الملغز والسريالية ولكنها سرعان ما استعادت توازنها وبدأ يقيم الميزان الشعرى فى ضمير الشاعرة .
وفى هذا الديوان "مشاعر" الذى يضم 50 قصيدة نتعرف بسرعة على هوية هذا الشعر الذى يتدفق مع ينابيع الحياة فى تجربة طازجة أحياناً منيرة وأحياناً معتمة فنجد الشاطىء والشمس والأمل ، كل رموز التفاؤل ونجد أيضاً خريطة الملل تلاوين الوشوش ، صوت الجوع ، رموز كثيرة من القلق ، من خلال عطاء متدفق .
حقاً انها مجموعة مشاعر تقدمها إيمان يوسف فى موسيقى مرتبطة بمفردات الحروف .
ومن مميزات "إيمان يوسف" محصولها اللفظى الثرى الذى يتفق مع موضوع القصيدة تأكيداً للمقولة التى نتفق فيها مع النقاد بأن الشعر تجربة لغوية .
واللغة تأتى فى المقام الأول لثراء القصيدة ، والوجود الشعرى عند إيمان يأتى نت خلال اللغة والروافد الشعرية فى ديوان "مشاعر" لابد للمتلقى أن يقف أمامها ويلتقط أنفاسه من سرعة الإيقاع الواضح فى معظم قصائد الديوان .
ودعونا ندخل عالم إيمان يوسف الشعرى ونغوص فى المشاعر ...
تقول إيمان فى نهاية قصيدة نغم التى فى بداية الديوان ...
إحساس بيربطنى
برعشة كف إيدك
ويا مشاعر من وهج
والنبض يعزف مولدى
والقلب ينده ع الأمل
دا يبقى موال الحياه
أحلا قصيدة حب
تعزف أحلا لحن
كما تقول فى قصيدة شاطىء ...
ونسمايتى بترويها كفوف شوقك
وبسمايتى ترطب حدة المشوار
معاك انت
لقيت وطنى ومأوايه
يا مرسايه
ميلادى ابتدى وياك
أحاسيس عاشق أو عاشقة عندما يولد الحب لكى يعيش وتذكرنى الشاعرة "إيمان يوسف" فى شعرها الحالم ، بمقولة الفيلسوف الهندى العظيم الشاعر "طاغور" يقول لتأكيد الود بين المحبين (عندما لاتجد العواطف ما ينميها يجف الوجدان ويسقط الحب كأوراق الخريف) وهكذا يؤكد حكمة ابن البلد فى مقولته (البعد جفا) .
وحول العتاب فى قصيدة نصيب تقول :
علق شراعك
برا قوانين الانكسار
برا كردان الضلام والانتظار
حاول تشق فـ يوم طريق
وتلاقى قلب ...
ورغم أن الموضوع الذى تطرحه "إيمان" واضح ولكنها تحاول التغريب من خلال مفردات الألفاظ وهذا أسلوب نجده فى معظم قصائد الشاعرة ...
وعندما تتحدث عن الوطن نراها تذوب عشقاً
أنا وقلبى
بنتعلق فـ مرجيحة
ونتشعبط سوا فـ الريح
بنتدارى من الأيام
وحبى فـ الخلا شارد
وقلبى عمره ما يعاند
رقيق طيب
أنا وحبى فـ حضن الليل ... نجمايه
تداعب كل أفكارك
وانا والحب سمارك
كما نجد أن الخط واضح فى معاناة الشاعرة وهو البحث عن شىء ما فى مجموعة قصائدها مثل النورس ، الحقيقة ، الجوع ، ترحال ، كناريا ، سندريلا ... ونتوقف أمام قصيدة (ضمة حضن) :
شنط الأحداث
ملياها الناس
حكايات ... صراعات
ووجوه فـ زحام
إشارات
أوهام
خاليه م الود
وم الأحلام
كما تقول إيمان وهى تبحث عن هذا الشىء فى قصيدة "التوهة" ...
الريح بتتغلب عليه
م العمر تسحب ضحكتى
والقلب دمعه ع الورق
مصلوبة على خط انتظار
فارده جدايل حزنها
مغموسه وردة فجرها
بين الرحايه والحجر ...
الجلد يتقطع نسل
والدم مش لاقى العروق
وفى معظم قصائد الديوان (جرأة) اللفظ والتعبير (الشقى) ولنستعرض بعض الألفاظ ... ، شوق الدلع ، اتنفس شوقه ، اتنشق عرقه ، ويدوقنى النشوه ، ورميت فـ عروقك دمى ، سافر فينا ، وتشكلنى فـ بدن الجسم ، دوب كل جليدك ... ونتوقف أمام هذه القصيدة (موقف) :
مش حاقبل فتافيتك
(وبواقى) أحاسيسك
ياتكون لى بالكامل
(يا حفرفط عناقيدك)
إلى أن تقول ...
مالقيتش اللى يقولك
كلمة صدق تهمك
(يا أنانى فـ أحاسيسك)
هذه التعرية اللفظية ربما لها ما يبررها فى موضوع القصيدة ، أى تريد الشاعرة أن تؤيد خيال الفعل .
ولكن البعض وأنا منهم أفضل تغليف اللفظ على أن يعطى دلالة المعنى .
وهذا يؤكد للمتلقى أن الشاعرة تسعى إلى ضم بعض المحصلات اللفظية إلى قاموسها الشعرى .
عموماً فإن حرية المبدع لاتقيد فى اللفظ أو الموضوع ولكن !! هى أفكار راودتنى وأنا أتصفح الديوان ، ونعود ونقول :
البحث هو دائماً رؤية الشاعر ، ولكى لاتطول الصفحات فى هذا المختصر وفى عجالة سريعة أؤكد أن معظم قصائد (إيمان يوسف) فى هذا المحتوى جديرة بأن نتوقف أمامها .
وكنت أود ذلك والإيجابيات كثيرة تحتاج منا إلى التحليل ، ومن خلال المحاولة الجادة التى قامت بها الشاعرة ، وقدمت لنا وجبة من شعر العامية الإنسانى ، من فكر ومشاعر تفيض بالحب والعطاء .
أقول بمنتهى الأمانة أن (إيمان) حاولت أن تقدم الجديد المتميز فى معظم قصائد الديوان ... من خلال الموسيقى والفكرة والحدث والروى من منظور أحاسيس مرهفة .
ونود أن نرى المزيد من الأعمال الجيدة التى تتوج بها مشوارها الأدبى فى مجال شعر العامية من خلال (مشاعرها) المعطاءة .
وكما تتألق (إيمان يوسف) فى المحافل الأدبية واللقاءات الثقافية بشعرها الجميل نطمع أن تقدم المزيد من الأعمال الناجحة من خلال موروث ثقافى متطور يعبر عن الذات المصرية وإيقاع العصر .
والله الموفق ،،،
محمد مكيوى