قراءة فى ديوان وشوشة البحر
تقديم بقلم : الأستاذ الدكتور محمد زكريا عنانى
أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب ـ جامعة الاسكندرية ـ ورئيس مجلس إدارة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية
هذا الديوان الرابع (وشوشة البحر) صاحبة هذا الديوان الشاعروة إيمان يوسف واحدة من أبرز شعراء العامية فى مصر الآن ولها حضورها الفعال فى لقاءات الشعر بالإسكندرية (هى عضو اتحاد كتاب مصر وعضو هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية) وعملت فى مجال الصحافة لعدة سنوات ،، وبلقاءات معرصض الكتاب بالقاهرة فضلاً عن إسهامات متنوعة فى الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات المصرية والعربية وأيضاً لها قصائد غنائية متنوعة ذات مذاق خاص ... بدأت تشق طريقها إلى الآذان بل القلوب .
هذا الديوان الأنيق عالم من الأحلام والأشواق والصور الهامسة الرقيقة الموحية التى انسابت من أنامل هذه الشاعرة التى أعطت للفن كل طاقتها فأعطاها الفن هذا الفيض من الأعمال الجيدة التى تتوالى لتقترب من النص المشحون بالنجوى والحيرة والانفعال وفيما يبدو أن مرجع هذا لأنها تجاوزت مرحلة كبير من التأثر والتلقى ووجدت ومن جد وجد .
وقدر صدرت للشاعرة من قبل ثلاثة دواوين وفى هذا ما يطمئن على مدى إصرار إيمان يوسف على المضى قدماً فى مضمار الفن ، الديوان الأول (عرايس الشعر ـ مشترك) ، الثانى (مشاعر) ، الثالث (تنهيدة صبية) ، والرابع (وشوشة البحر) ـ
ومن حسن الحظ أن كاتب هذه السطور شهد المحاولات المبكرة للشاعرة ، وتابع كتاباتها التى اتسمت بالطواعية والحيوية والقدرة على رسم الملامح الداخلية لدنيا المرأة من غير افتعال أو مبالغة ، وقد تابعت مع توالى الأيام صقل موهبتها حتى وصلت إلى هذه الدرجة العالية من الإجادة .
ومن البين أن عالم إيمان يوسف ممدود المدى بما ينبض فى شرايينها وما يتحرك حول أيامها من شئون وشجون ، ومن ثم فإن بين التجارب وشائج قربى ، على أن ما يغفر للشاعرة ذلك أنها صادقة فى جميع الأحوال ، وأنها تعرف كيف تضفى على قصائدها السمات الأنثوية المتوهجة التى تذكرك بملمس المخمل وأوراق الورد وتنهيد الصبايا ....
وهى صاحبة جملة جميلة من حيث المعنى والمبنى وما أكثر النماذج الجيدة فى ديوان (وشوشة البحر) فى قصيدة (ملامح فجر) راحت تشدو :
كتبتك فوق سطور عمرى
ملامح فجر
ومديت لى شعاع دافى
بيطوى لى صعاب الهجر
ومابين الشمس وغروبها
غزلتك جوا تكوينى
هكذا اهتدت سجية الشاعرة إلى التجربة الحارة لترسمها بأناه ومن غير افتعال ، والنتيجة أننا نجد أنفسنا أمام انفعال إنسانى صادق أتى من خلال ألفاظ وأفكار بسيطة متجانسة مع روح التجربة ، وضاعف من حيوية الأداء هذا الإيقاع المترنح بالشجن والنعومة ، والذى أسهم بفاعلية مع بقية مفردات التجربة ليصنع قصيدة جميلة حية مؤثرة وليسطع أمام أعيننا الدليل ... ووجدت نفسها فى هذا الطراتز من التجارب الذاتية الحميمة الصادقة
على أن للشاعرة من الوعى ما يجعلها لا تقف عند حد منابع الأنا ولا تدور فى سائر أعمالها حول نفسها فأنها تدرك أن هناك كوناً وعالماً يصخب بالمسئوليات والتحولات والقضايا العامة ، وهكذا كانت لها وقفة أمام الكمبيوتر ومناجاه القاهرة وبيكاسو والحرية ولكن دون أن تنسى خصوصيتها التى تبدو ـ وعلى الرغم من الألم الدفين والحيرة والاحساس والاغتراب متوهجة
قصيدة (إحساس فاقد النطق):
فى الساقية
مربوط الفجر
فى عيون الهجر
أسراب الطير
فى أتواب الأسر
والصمت الساجد
للغربة
أوراق منثورة
إن هذه التجربة البسيطة تسللت إلى القلوب وسط فيض الصور التى ترفرف والقارىء يستمع إلى هذا الشدو الآسر وكل شىء يبدو فى الظاهر شديد اليسر إلى حد أنه يشبه هذه الأغانى الفلكلورية الشعبية ولكن مفردات الجمال هنا من التنوع والثراء بمكان .
وفى قصائد إيمان يوسف شجن عميق تحاول أن تخفيه ، وإحساس بالمرارة بإزاء كل الأشياء الرديئة التى ترزح على صدر الأيام من زحام وقلق وخوف من الرحيل ومن موت الفرح ومن غدر الليالى وحراب الغربة وفى قصيدة (يا بحر يا صاحبى) :
يا بحر يا صاحبى
ضهرى بقى محنى
من كتر أمواجك
يا بحر صدرى فاض
توب القلق فضفاض
وما أبسطها وأعمقها وهى تبوح وتهمس فى براءة وود وإنسانية غامرة
وباشوفك على سطح الميه
وفى حبة رمل فى ايدية
بصالها فى سخابها التايه
أحلامنا فـ الخيمة الزرقه
تلقانى هلالك بيدلك
ومن حسن الحظ أن إيمان يوسف تزداد مع الأيام تمكناً من وسائلها الفنية ، خاصة الصور والإيقاع ، وأنها فى مجموع ما تكتب لا(تخطب) وإنما تدع الحروف والكلمات هى التى تتجمع فى لجة الفن لتنسال بعد ذلك على هواها ، لتنطق قصائدها مثل العصاقير فى آفاق الربيع ، تغرد للحب والصفاء والجمال .
أ . د . محمد زكريا عنانى